ذكرى ميلاد خاتم النبيين والدعوة إلى أعظم منهاج للعالمين

أ. محمد مكركب/
من أين يبدأ الكلام عن سيد الأنام صاحب أعظم رسالة وأعظم دعوة في العالمين، من أين يبدأ الكلام عن حال المسلمين في القرن الواحد والعشرين لميلاد من بشر بخاتم النبيين ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾(الصف:6).
إننا في ذكرى إمام الأنبياء والقدوة البشرية لكل الصالحين من الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء. وإنني لأشعر بما أحس به شوقي وهو يقول:
وُلِدَ الْهُدَى فالكائنات ضياء وفم الزمان تَبَسُّمٌ وثناء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء
لَوْ لَمْ تُقِم دينا لقامت وحدها دِينًا تضيء بنوره الآناء
أنتَ الذي نَظَمَ البريَّةَ دِينُهُ ماذا يقول ويَنْظِمُ الشعراء؟
المصلحون أصابعٌ جمعت يدا هي أنت، بل أنت اليد البيضاء
ذكرى الميلاد من بين أعظم الذكريات التاريخية والدينية والإنسانية في العالم أجمع، وليس التمجيد لليلة الميلاد، وأحداث الازدياد، ولكن لصاحب الذكرى، ذكرى شرف النبوة، وشرف الرسالة، وشرف الأمة، وما في هذه العظمة من المعاني والأبعاد، وما فيها من الخير والعبر والبشارات الطيبات للبلاد والعباد.
تداعت الذكريات في رحاب ذكرى الميلاد، وتداعت معها الأفكار بحثا عن الأنوار ومفاتيح الأسرار، لتجديد الإصلاح والإعمار.
إن الظروف العالمية الاجتماعية والأخلاقية والسياسية الحالية في العالم الإنساني في القارات الخمس، لتتشابه في كثير من جزئياتها وصفاتها مع الظروف التي كانت يوم ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى يوم البعثة النبوية.
ففي العالم اليوم شيء من الظلم، والعري، والخمر، والربا، والتقاتل من أجل المال، والتقاتل من أجل مناصب الزعامات، والقوي يأكل الضعيف، ويُسْمَعُ للوضيع ويُعصى الشريف، وأهل الفساد في فسادهم وكأنهم يعشقون الخراب والإرهاب. وصدق النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال:[سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ] (ابن ماجه: 4036) التافهون يتطاولون، والصالحون ضعفاء مقهورون.
تعالوا لنعود إلى هناك إلى نقطة البداية يوم بداية تبليغ الرسالة الخاتمة إلى العالم، ونسأل التاريخ عن البيان الأول لدعوة خاتم النبيين، ثم نرى من استجاب وصَدَّقَ المبعوث رحمة للعالمين واتبع الكتاب المبين، ومن كذب وحارب الإسلام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما نزلت الآية: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾(الشعراء: 214) صَعِدَ النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي:[يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ] – لِبُطُونِ قُرَيْشٍ – حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ:[أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟]قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: [فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ] فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ:﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ (البخاري:4770)
وهدف التذكير في رحاب هذه الذكرى، هو رسالة في همسات إلى كل المسلمين، نقول للحكام والملوك والرؤساء من المسلمين: لَمَّا علمنا وآمنا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم، صادق أمين، وآمنا بالكتاب المبين، لماذا لا نتبعه في كل ما جاءنا به من عند رب العالمين؟ هذه هي كلمة هذا المقال، حتى لاتسقط هذه الشعوب في مستنقعات المحال، وحتى لا تجد نفسها أمام واقع الزوال. فقد بَلَّغَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قول الله تعالى:﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال:46). هل استجاب الحكام والعلماء، فالكثير منهم تنازعوا وتصارعوا، وقاتل بعضهم بعضا، كقتال الأعداء!! نعم تقاتلوا بينهم في حروب أهلية، كانت أشد ضراوة من حرب الفجار، وأحر قساوة من حرارة النار. وبَلَّغنا الحبيب المصطفى أمر الله تعالى:﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ هل استجبنا لأمر الله تعالى، واتبعنا ما أنزل إلينا؟ إن كثيرا من الحكام بل ومن العلماء، اتبعوا أهواءهم، واختلفوا وتفرقوا، بل ولعن بعضهم بعضا.
وبَلَّغنا الصادق المصدوق حكم الله في الحلال والحرام، هل أطعنا واستجبنا؟ هل التزمنا شريعة الإسلام؟ فمع الأسف، نقول: لا، لم يستجب الكثير، فما زال في كثير من البلدان التي تسمى البلدان الإسلامية، بعضهم يبيع الخمر علنا، وبعض البنوك تتعامل بالربا علنا، وبعض الحكام يتخذون أعداء الله أولياء علنا، ومازال العري منتشرا، والطغيان مستكبرا، والفاسق لا يخشى حدا ولا تعزيرا، يجاهر بفسقه ويعتبره حرية وفخرا.
إن العبرة الغالية في الذكريات النبوية، تدعونا لفقه الدعوة الإسلامية الحقيقية، الدعوة إلى الحكم بما أزل الله سبحانه، بلا تأجيل ولا تأخير، وبلا تهاون في حكم ولا تخيير.
جاء وفد ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليبايعوه، فأمرهم بشريعة الإسلام ووصاهم بمبادئ الإسلام، وأَمَّرَ عليهم عثمان بن أبي العاص، وقد كان فيما سألوه أن يدع لهم الطاغية، وهي اللات التي كانوا يعبدونها، بأن لا يهدموها إلا بعد مدة حتى يقتنع قومهم، وسألوه أن يؤجل لهم الصلاة، وترك التعامل بالربا، والسماح لهم بالخمر، فما قبل لهم من ذلك شيئا. بل أمرهم بالتطبيق والتنفيذ الفوري، وكان ذلك في السنة التاسعة للهجرة. فكيف ونحن في (1443ه).
جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى رحمة الله تعالى، ورحمة الله تعالى في العمل بالشريعة، التي هي رحمة كلها وعدل كلها وخير كلها.
فمتى تعود الأمة الإسلامية إلى قوتها التي كانت عليها.
ومتى تكون كلمتها مسموعة، وتخاطب العالم، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته، إلى الله تعالى، وإلى الإسلام، ليعيش الناس في سلم، وسلام، حيث راسل الملوك والقياصر والأكاسرة.
ما هو المطلوب من المسلمين في ذكرى ميلاد خاتم النبيين: 1 ـ نجلس جلسات مع السيرة النبوية العطرة لنتعلم العلم والجهاد والاتحاد والتعاون على البر والتقوى. ومنه أن يجلس إمام الأمة أي رئيس الدولة مع وزرائه وولاته ومستشاريه. ويسألهم هذه الأسئلة ليجيبوه بكل صدق وصراحة. إلى ماذا دعانا النبي صلى الله عليه وسلم؟ ما هي الأعمال التي أمرنا بها؟ وما الذي نهانا عنه؟ هل نحن نعمل بكل ما أمرنا به واجتنبنا كل ما نهانا عنه؟ وهل عَلَّمْنا الشعب كل الذي دعانا إليه؟كما يجلس الأب مع أولاده ويحاورهم نفس الحوار، والأم مع أولادها، والمعلم والأستاذ مع التلاميذ والطلبة، وكلهم يدرسون نفس الأسئلة. هكذا الاحتفال بالذكريات.
2 ـ أن نُذَكِّر أنفسنا بهذا البلاغ النبوي. وننظر هل نحن عملنا بوصايا النبي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال:[يا أيها الناس أي يوم هذا؟] قالوا: يوم حرام، قال: [فأي بلد هذا؟] قالوا: بلد حرام، قال: [فأي شهر هذا؟] قالوا: شهر حرام، قال: [فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا] فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت – قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، [فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض] (البخاري:1736).