اتجاهات

الخطاب الديني…حديث ذو شجون

عبد العزيز كحيل/

كتبت على صفحتي في فيسبوك هذا المنشور: «مأساة الجمعة»…حدث أن ذهبت إلى صلاة الجمعة متأخرا فرأيت في الطريق عجبا: في وقت الصلاة المحلات مفتوحة وتعمل بشكل عادي: متاجر، مقاه، خضر وفواكه…والزبائن مترددون عليها، الشباب بأعداد كبيرة يسرحون ويمرحون في الطرقات، تجار المخدرات في أماكنهم المعتادة وتجارتهم رائجة، السيارات تملأ الشوارع غدوا ورواحا…كأن ليست هناك صلاة الجمعة…ما هذه الردة؟ ألم أقل لكم إن المساجد لم يعد يرتادها في الغالب إلا كبار السن؟ نطالب بعودة النشاط إلى المساجد لكن ما فائدة ذلك وهي فارغة من الشباب؟ لم يعد لصلاة الجمعة حرمة في القلوب، فما بال الصلوات الخمس؟ إنها ردة ولا أبا بكر لها…من هنا يجب أن يبدأ الإصلاح فقد هزمتنا العلمانية هزيمة نكراء…أيها الأولياء الخطر في بيوتكم فأفيقوا».
شاركه عشرات القراء على صفحاتهم، وعلق عليه عدد كبير من المتابعين، والذي غلب على التعليقات هو أن سبب هذا الوضع هو الخطاب المسجدي، قال أحدهم: «لأن ما يحدث في المسجد مأساة، لنكن واقعيين، هل من في المسجد يجذبون أم ينفرون الشباب؟ لا شيء يجذبهم، وكيف يجذبنا الكلام الكثير الكثير الكثير عن الغيبيات، والكلام عن الواقع مهمل؟ لا يوجد توازن. ومن في المسجد أغلبهم ليسوا أهلا له، إنهم منفروووووون»، وقال آخر: «حتى خطب الجمعة أصبحت مثل الرسالة، تقرأ من الورقة، ونفس الكلام يتكرر»، وكتب ثالث: «نوعية المواضيع الروتينية في خطبة الجمعة، وبعد أغلب الائمة عن تشخيص ومعالجة الواقع كما هو».
وعقّب قارئ بما يلي: «اعتماد أغلبية الائمة _ باستثناء القلة_ على الطابع الخليجي والمشرقي في إلقاء الخطبة دون اعتماد البيئة الجغرافية والنفسية والاجتماعية للمصلين خاصة من جانب بعض التيارات التي لا تراعي الجانب الثقافي والعلمي للمصلي، حتى أصبح هذا الاخير يحضر الجمعة لأجل الواجب الديني فقط و ليس من أجل التعلم و التدبر وأخذ الموعظة»، أما آخر فقال: «في رأيي وحسب ما رأيت في مجتمعي وحسب مخالطتي للكثير من الناس سواء من أقراني أو غيرهم من مختلف الأعمار فإن هذه الظاهرة الخطيرة هي نتاج لعدة أسباب وعوامل من أهم ما أذكر منها:
أولا: مستوى الخطاب الجمعاتي أو الخطاب الديني الذي تراجع تراجعا كبيرا سواء من ناحية اللغة السليمة الصحيحة أو من ناحية البساطة أو من ناحية المضمون والموضوع، لم يعد الخطاب يعالج واقع المسلمين سواء المحلي او العام كأمة، كما أنه يتهرب من مناقشة القضايا الكبرى للأمة خاصة منها السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، ويقتصر فقط على شعائر دينية واضحة ومعروفة لعدد كبير من الناس، الناس اليوم تغيرت وتطورت وهي منفتحة على عالم غير محدود من التطور التكنولوجي والمعلوماتية، لذلك وجب على الخطاب الديني التطور أيضا ومعالجة متطلبات العصر وقضايا العصر»، وكتب غيره: «حتى خطب الجمعات أصبح اجترارا لما سبقها، وأقسم أني سمعت بعضها عدة مرات ودون زيادة أو نقص حرف واحد.
وأختم بهذا التعليق: «خلاصة القول أنا كشاب… الامام الخطيب في مسجد يعاود في نفس cd ونفس الكلام المستهلك، لا جديد، نحن نعيش في عالم و انتم في عالم، لا يمكن بأي شكل أن نتفق، إذا كانت خطبة الجمعة تتحدث على مشكل في العقيدة وقصص الصحابة رضي الله عنهم ونحن مشاكلنا في ارتفاع أسعار ومسؤولين فاسدين خربوا البلاد وأنتم تقولون لا يجوز الخروج عن كذا وكذا، لا يمكننا أن نقبل خطبة عن النظافة ولا يوجد واحد من خطباء قام بحملة نظافة أو انتقد سبب انتشار القاذورات …إذا أردنا التغيير يجيب التجديد في الخطاب الديني».
هذه العيّنات تلخّص الأغلبية الساحقة من التعليقات، وهي تُرجع ظاهرة العزوف عن المسجد إلى مستوى الخطاب الذي يتسم بالضعف والتكرار والرتابة والبُعد عن ملامسة الواقع.
والحقيقة تتجلى من زاويتيْن: الأولى أن هذه الذرائع لا تبرر ترك صلاة الجمعة أبدا، فهذا سلوك ينافي المعلوم من الدين بالضرورة، ومكانة الجمعة معروفة في مراتب الأحكام، وحضورها حتى بدنيا فقط افضل ألف مرة من مقاطعتها بأي ذريعة، و«من ترك ثلاث جمع تهاونا ختم على قلبه»، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أصحاب السنن الأربعة…أما الزاوية الثانية فهي الإقرار بمساهمة الخطاب المسجدي في التنفير من بيوت الله، هذه حقيقة يجب التسليم بها، ولا ينكرها إلا من عطل السمع والبصر والفؤاد.
الخطاب الحالي يتميز بثلاث طامات:
– التسطيح والتخدير: يظهر ذلك – مثلا – من خلال الموقف من الظلم والفساد، والتركيز على الدعاء لا على التغيير.
– ممارسة الاستغفال وتجاهل الواقع (وليس الاستعلاء عليه) وكأن المصلين قطيع من الأميين أو الحالمين.
-تسليمه بصفة شبه كلية للطائفة الوهابية المعروفة باشتغالها بالماضي والمعارك المنتهية وخوض حروب مع غير عدو، وشغل المساجد وروادها بالجزئيات والشكليات والخلافيات.
ومشكلة الخطاب المسجدي جزء من مشكلة الخطاب الديني ككل، وهو موضوع مقال قريب إن شاء الله.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com