في رحاب الشريعة

العقود الشرعية قوامها الأهلية والرضا والإثبات

أ. محمد مكركب/

من مقتضيات الزواج: الزوج الصالح الكامل الكفاءة والأهلية، والزوجة الصالحة الكاملة الكفاءة والأهلية، والولي، والصداق، والصيغة، والشهود، وتسجيل العقد، وإعلان الزواج.
يشترط الشهود في الزواج: فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ] (ابن حبان.4075.وسنن الدارقطني. 3533. وعن أبي هريرة في المعجم الأوسط.6366) وفي المعجم الكبير للطبراني.عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: [لَا يَكُونُ نِكَاحٌ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وشاهدينِ، وَمَهْرٍ مَا كَانَ قَلَّ أَمْ كَثُرَ] (م.ك.ط.11343) والأولياء هم: الآباء، ثم الإخوة للأب والأم، ثم للأب، ثم بنو الإخوة للأب والأم، ثم للأب فقط، ثم الأجداد للأب وإن علوا. وليس للولي أن يَعْضُلَ وَلِيَّتَهُ إذا دعت إلى كفء، وبصداق مثلها، وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها.
وفي بداية المجتهد: {قال ابن رشد: واتفق أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، على أن الشهادة من شرط النكاح. واختلفوا هل هي شرط تمام يؤمر به عند الدخول؟ أو شرط صحة يؤمر به عند العقد؟ واتفقوا على أنه لا يجوز نكاح السر}. وفي سنن الترمذي. {قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ} (الترمذي:1104) نعم، يجوز ذلك والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ولابد من المهر وتعيينه. عملا بقول الله تعالى:﴿وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ (النساء:4) والخطاب في هذه الآية للأزواج، أمرهم الله تعالى بأن يعطوا المهور نحلة لأزواجهم. والصداق، أو المهر، ملك للزوجة. وإن كان الأصل أن يقدم الزوج قدر ما يستطيع عن طيب نفس لزوجته، إلا أنه يجوز للزوجة أن تشترط مهرا مقبولا وفق العرف.هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، ويجوز للزوجة أن تهدي لزوجها من صداقها، أو لغيره، لأنه ملكها، ويستحب بل أرى من الواجب تحديد أي تعيين قيمة الصداق وإعلانه أما الشهود، وتسجيله. والله تعالى أعلم.
رابعا: توثيق العقد رسميا بكل التفاصيل والإجراءات: ويذكر في دفتر الزواج، أركان، وشروط صحة الزواج، وأنها توفرت في طرفي العقد. ومنها قيمة المهر، والشروط التي لاتخالف الكتاب ولا السنة ولا الإجماع. ويسجل في الدفتر التذكير بأن على الزوجين أن لايتخذ كل منهما قرارا بشأن العلاقة الزوجية، إذا حدثت خصومة أو نزاع، إلا بعد الإجراءات الشرعية، المبينة في القرآن والسنة النبوية. ومنها العمل بقول الله تعالى:﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ (النساء:35) وعلى سبيل المثال يُذَكَّرُ الزوجُ، رسميا، بأنه لايصدر كلمة طلاق. إلا أمام القاضي، أو أمام الحكمين، أو بعد مشاورة بينه وبين أهله أو أهل المرأة، وأثناء طهر لم يجامعها فيه. وهذا كله، من أجل الدوام والبقاء، وسعادة الأسرة، والاستقرار ومنع التصدع الداخلي، وحماية هذه الرابطة من النزاع والخلاف، لينشأ الأولاد في جو من الحب والألفة والود والسكينة والاطمئنان، وعلى الزوجين، بل وكل مسلم إذا شعر بسوء علاقة بينه وبين الآخرين، أن لايتسرع إلى الشجار والاتهام، بل ولا حتى إلى العتاب حتى يتبين، ويتثبت، ولاينسى قول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)
من أسباب دوام سعادة الزوجين: أن يترافقا معا من حين لآخر، لزيارة أهله، أولزيارة أهلها، في زيارات خفيفة وظريفة، وهذا مهم جدا، وقلت يترافقان، بمعنى أنه لايوصلها إلى باب بيت أهلها ويتركها، ويقول لها: متى أعود إليك؟ أو عندما يذهب إلى بيت أهله يذهب وحده، وأن يجلس هي وهي وإن كان معهما أولاد ساعات، ويخفف، ويعودان إلى بيتهما، وكلهم أريحية وانشراح، واعلم أن التزاور الخفيف ينشئ المحبة والشوق. وإن كان الزوجان يسكنان مع أهل الزوج، فمن حين لآخر يخصصان جلسة عائلية مع الأهل، وما أجمل أن تكون الجلسة في منتزه متواضع، أو مطعم عائلي لائق، ولو في نفس المدينة. ثانيا تبادل الهدايا، بمناسبة، وبغير مناسبة. وفي الأثر ما ورد في الموطأ، في كتاب حسن الخلق.{تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ. وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ} (ت. الأعظمي: 3368)
ثالثا: قيام الليل معا: من عوامل دوام سعادة الزوجين وكل الأسرة، وكل المؤمنين، قيام الليل، وقيام الليل ليس في رمضان فقط، ما أجمل أن يقوم الزوج للصلاة، وتقف الزوجة وراءه يصليان قيام الليل، إما قبل النوم، أو قبيل الفجر، وقت الأسحار. قال الله تعالى في صفات المتقين:﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ.﴾ (الذاريات:19)
ومن أسباب دوام السعادة: الصدقات، ثم الصدقات، خاصة إذا علمت أن تمت فقراء لايوجد من ينفق عليهم، وفرجت عنهم كربة الفقر، أو أعنت مريضا في العلاج لتخفف عنه بإذن الله تعالى، أو طالب علم فقير أعنته لمتابعة الدراسة.
رابعا: المنافسة مع الزوجة والأولاد في حفظ القرآن، ومن فوائد قراءة القرآن، بالإضافة إلى أن ذلك عبادة، وفيها حسنات كثيرة، وأن قراءة وتدبر القرآن فريضة على كل رجل وامرأة. قلت بالإضافة إلى ذلك أن الزوجين يشعران مع بعضهما بحلاوة العشرة، وتلك الحلاوة والارتياح لبعضهما من القرآن الكريم.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ،] (الترمذي:2865) ويستحب أن يكون للزوج مشروع دائم، مشروع يوافق مستواه وتخصصه وهوايته، إنْ كان ذلك في البحوث العلمية، أو في الحرف، أو الدراسة والمطالعة المنتظمة، ولايكون الزوج الصالح من الذين يضيعون أوقاتهم بين المقاهي ومشاهدة مالا يسمن ولا يغني، وما لايصلحولايبني. وأن يكون للزوجة كذلك مشروع نافع، ولا أن تكون من أهل مشاهدة المسلسلات، ولا من أهل جلسات اللهو واللغو والمهاترات.
ومن أجمل وأفضل المشاريع للرجال والنساء تدبر القرآن الكريم، ثم إن كان للرجل مهنة خاصة يتعمق في دراستها ليزداد فهما فيها، فتسهل عليه ويتفوق فيها. ومناهتمامات الزوجة: التدبير المنزلي، وإن كان لها أولاد، فمن أكبر مشاريعها تربية أولادها.وفي الحديث [خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ.] (البخاري:5082) ومن معاني الحديث: الصالح من صلاح الدين والخلق، وصلاح العشرة. ومعنى(أحناه) من الحنو وهو الشفقة والحانية هي التي تقوم على ولدها بعد يتمه ولا تتزوج. و(أرعاه) أحفظه وأصونه. (في ذات يده) ماله المضاف إليه وذلك بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق فيه.
ويلي هذا المقال إن شاء الله: الوفاء بين الزوج والزوجات. في حفظ الأسرار والأمانات والحقوق والواجبات

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com