قضية ناجحـــــة ومحـــــام فاشل

الشيخ نــور الدين رزيق */
إن أعداء الدين الاسلامي لا يدخرون جهدًا في إثارة الافتراءات والشبهات حوله، وهم يعملون عملًا منظمًا، ومن خلال دراساتٍ وخططٍ وتجاربَ وبحوث، حتى صار الافتراء على الإسلام علمًا يُدرّس، مثلًا، في كليات اللاهوت ومراكز التنصير والاستشراق، ويحظى المنصّرون بتدريب مدروس في كيفية طرح الافتراء وإثارة الشبهات لتشويه صورته بين الناس.
ولكن ما يكون ضرره اعظم ليس في الشبهة ولكن فيمن يواجه هذه الشبهة ويصدها باسلوب المحامي البارع ليس في الرد ولكن في الكسب، إن أسلوب التحدي، ولو كان بالحجة الدامغة والدليل المبين، يُبغِّض صاحبه للآخرين، فلا تلجأ إليه؛ لأن كسب القلوب أهم من كسب المواقف.
فهو يعمل على استلال ما في قلوب الآخرين من غيظ وكراهية، وأن يقودهم إلى الهداية ليسعدوا بها كما سعد هو بها من قبل.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما، عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه»، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم: «أين علي بن أبي طالب؟»، فقالوا: يشتكي من عينيه يا رسول الله، قال: «فأرسلوا إليه فأتوني به»، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم».
الذي يتولى كِبر إثارة الشبهات في أوساط المؤمنين والمؤمنات واحد من اثنين: كافر حاقد أو جاهل ساذج، وإن درء الشبهات ودفعها نوع جهاد، لأن الجهاد في أصله دفع وهجوم، وردُّ الشبهة دفع وهجوم، فعن يحيى النيسابوري قال: (الذب عن السُّنة (يعني من الشبهات) أفضل من الجهاد في سبيل الله) .. إن المجاهد يحمي عن دماء المسلمين، ودافعُ الشبهة يحرس أرواح وعقول الموحدين، وإن دفع الشبهات نوع رباط، يحتاج همة وتربصاً ونشاطاً.
جرى بين الامام الباقلاني وملك الروم كلام حول شيء من عقائد النصارى فكان مما قاله أحد أساقفة الملك: ما تقولون في زوجة نبيكم؟ يريد أن يعرض بعائشة رضي الله عنه حينما رماها المنافقون بالزنا!
فقال الباقلاني على بديهته: هما امرأتان مريم وعائشة ذكرتا بسوء فبرأهما الله مما قيل فيهما.
وكانت عائشة ذات زوج ولم تأت بولد، ومريم ليست ذات زوج وجاءت بولد.
يريد بذلك أن براءة عائشة أظهر من براءة مريم وكلاهما بريئ بتبرئة الله لهما رضي الله عنهما.
إننا في هذا الزمان في حاجة الى إمام بمنزلة الإمام الباقلاني رحمه الله لرد الشبهات وحسن الدفاع عن الاسلام، ترك لنا محمد الغزالي رحمه الله مقولة (الاسلام قضية ناجحة، لكن محاميها فاشل).