ملتقيات جمعية العلماء: علامة مسجلة، ولكن …/ حسن خليفة
بملتقاها الدولي المتميز مضمونا وشكلا، والذي اهتم بمعالجة موضوع “دور العقيدة في النهوض الحضاري” والذي شهد حضورا واستقطابا ملحوظا، تكون الجمعية قد خطت خطوة أخرى في مجال تعميق الإنجاز والنفع في أهم أعمالها الثقافية والعلمية وهو ما يتصل بعقد وتنظيم الندوات والملتقيات، مما هو أمر يكاد يُسجل لها كعلامة خاصة في الساحتين الثقافية والفكرية الوطنيتين، ما يجعلها شريكا حقيقيا في صناعة الرأي الفكري والبحثي والديني، وفق رزنامة واقعية منتظمة تسجل فيها محطات لقاء بين وقت وآخر في شكل ملتقى علمي وطني أو دولي أو ندوة نوعية، ولم يتأخر عام واحد عن مثل هذا الانتظام منذ مدة غير قصيرة، وكل ذلك رغم ضيق ذات اليد، وشحّ المدد المادي الضروري إلا ما ندرَ…لكن الجمعية حافظت على هذا الفعل الثقافي لا لملء فراغ ولا لتسجيل حضور، بل لفتح المجال لمعالجات علمية في قضايا ذات أهمية للمجتمع وللإنسان وللدولة ولصناعة الأمل في مستقبل أفضل للمجتمع والأمة.
علمتُ من الإخوة المنظمين أن انطباعات الأكثرية من الإخوة والأخوات الحضور في الملتقى الدولي كانت إيجابية في عمومها، وقد جاؤوا من أكثر من عشرين ولاية من ولايات الوطن شرقا وغربا ووسطا وجنوبا. نعم لقد كانت الأجواء العلمية راقية ورفيعة المستوى وقمينة بالاحترام والتقدير، مع تسجيل هنات وهناك وتفاوت في الطرح أيضا بين هذا وذاك، ولكن إذا كان الإيجاب والإيجابية هو المنتظم الأكبر والسمة العامة الغالبة على الملتقى..هل يمنع ذلك من الإشارة إلى بعض السلبيات التي كان يمكن تفاديها بشكل أو بآخر، أو على الأقل ينبغي تفاديها في المستقبل لتكون ملتقيات الجمعية ـ بحق ـ صيغة مميزة ومتميزة في هذا المجال العلمي الذي يُطلق عليه اسم الملتقيات؛ حيث من المأمول أن ينتهي الأمر ـ في ملتقيات الجمعية ـ إلى طرح خاص ومعالجات خاصة بما يُسلم إلى ثمرات خاصة أيضا ذات صلة بالواقع المعيش وبما يفعّل دور الإنسان المسلم/ة أكثر فأكثر، فلا يكون الملتقى مجرد لقاء يجمع المحاضرين والمحاضرات وجمهورا من المتلقين من الرجال والنساء، وإنما يكون محطة تصويب وتصحيح وتفعيل وتنزيل للمعارف على أرض الواقع، وهو ما يتطلبه الميدان المرّ البائس المتردي.
ولو سحبنا هذا على ملتقانا الدولي الطيب في قسنطينة فما هي أوجه النقص التي كان يمكن تلافيها على النحو الذي يجعل النجاح المتحقق مضاعفا وأكثر إثمارا وأحسن نتائج؟.
1ـ على رأس تلك النقائص التي أعتقد أننا نتشاطرها مع الكثير من الإخوة والأخوات فيها، إنما هو تلك المشكلة المتعلقة بالوقت فقد وقع “تحجيم” وقت المناقشات وتنقيصه إلى حدود غير مقبولة أبدا، فلا يمكن تصوّر مناقشة شأن من الشؤون المصيرية في مسألة من كبريات المسائل ذات الصلة بالعقائد، ثم تُعطى للمناقش دقيقة أو دقيقتان أو حتى ثلاث دقائق.
إن ذلك لا يمكن تصوّره لأنه لن يفي ـ أبدا ـ بالمطلوب أيا كان الأمر. ولو تعلق الأمر بإضافة معلومات لما كان الوقت كافيا، فما بالك إذا تعلّق الأمر بتصويب أو بوجهة نظر مخالفة، أو بمعلومات غير معروفة أو طروحات جديدة. إن هذا الإشكال المتصل بالوقت يصحب أكثر ملتقياتنا ولقاءاتنا فكيف يمكن تصوّر تجاوزه بشكل نهائي؟ .هناك مقترح يمكن أن يُدرس وقد قدمته لجنة متخصصة في الجمعية قبل مدة بعنوان “دليل تنظيم الملتقيات في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” عكفت عليه فرقة بحثية بإشراف الأستاذ الجامعي القدير أحمد طوايبية (شعبة تيبازة) وفيه مقترحات في شكل خطوات إنجاز ملتقى (وطني أو دولي) في أي شعبة، وهو وثيقة مميزة يمكن إثراؤها وتطعيمها باستمرار وصولا إلى دليل عملي حقيقي لتنظيم الملتقيات وما يشبهها بما يحقق النتائج على نحو أفضل وأمثل. وفي هذا الدليل إشارات مهمة في مجال تنظيم الوقت والاستثمار الأفضل فيه، وهو متوفر على مستوى المكتب الوطني.
2ـ يمكن أن يُضاف إلى ذلك، في مجال الوقت دائما، اقتراح التقليل من المحاضرين قدر المستطاع، بما يعطيهم الوقت الكافي لتقديم مداخلاتهم (نصف ساعة فأكثر)؛ خاصة بالنسبة للمحاضرين الكبار المعروفين الذين لديهم دائما ما يقولونه دون أن يُثقلوا على المتلقين.ثم يُعطى الوقت الكافي من جهة أخرى للمناقشين، وليكن المعقبون جزءا من نسيج الملتقى فتكون الفرصة الأولى لهؤلاء المعقبين الذين يُطلب منهم إثراء الورقات البحثية تمحيصا وتصويبا وردّا أو ترجيحا وتعزيزا وتقوية للطرح، أو مناقشة ومدارسة وتنفيذا وردّا. وذلك يجعل الملتقى ساحة لنوع من المناظرات العلمية الحجاجية القوية، وهو ما يحتاجه الجمهور الذي يبحث عن الحقائق في أي موضوع يُطرح للمباحثة. وبهذا سيرتفع مستوى الطرح ويشتدّ ويقوى ويستفيد الحضور على نحو غير معتاد.
وللحق لقد كان المأمول في ملتقى قسنطينة أن يتحقق ذلك باقتراح محاضرين ومعقبين ومناقشين مع توزيع منظم للوقت للجميع ولكن حالت أمور دون تحقيق هذا.
2ـ الملاحظة الأخرى التي لا يمكن أن يفوّتها من حضر الملتقى هو استغناء المحاضرين جميعهم عن العروض الذكية ـ إذا صحّ التعبيرـ وأعني بها استخدام الوسائط التكنولوجية المستحدثة المفيدة، والمقصود هنا هو “عروض الداتاشو” التي هي شأن متوفر ممكن الاستخدام، وله فوائده في تعزيز التفهيم وتحقيق شدّ انتباه المتلقين وتيسير تلخيص وتسجيل الملاحظات والمعلومات . فلمَاذا لم تتم الاستفادة من ذلك؟ !.
المأمول في ملتقياتنا، بل وسائر أعمالنا القادمة الاستفادة من هذه الوسيلة الرائعة التي تضاعف فرص الفهم والتفهيم لدى المستمعين والمتابعين بشكل ممتاز.
3ـ الملاحظة الثالثة : بالرغم من جودة الطرح والتقديم فإن أمر العقيدة ليس بالأمر العادي، ولذلك كان المتوقّع أن يكون التناول ذا نكهة إيمانية تحرك القلوب وتهز النفوس وتحلّق بالأرواح وتقرّب البعيد وتنسج خيوط المودة والحبّ بين المسلمين وتقرّب الفجوة بينهم ونحن نراهم على هذا النحو من التشرذم والتمزق والتشتت والفرقة. فكم كانت الحاجة ماسة إلى “نبض إيماني” بالموعظة الحسَنَة والخطاب المرقّق للقلوب الدافع إلى ترسيخ الإيمان، وقبل ذلك خطاب عقدي/دعوي ذي غايات محددة.تفعيل العقيدة في العقول والقلوب والنفوس والانتقال بها من الاعتناق إلى العمل والسلوك والتصرّف. قد يسأل سائل كيف: والجواب ..تلك مهمّة الأساتذة والدعاة محاضرين ومناقشين وحضورا…وإن لم يفعلوا فقد قصّروا.
ملحوظة ختامية: إن الارتجال وقلة التحضير شأن غير طيب، وينبغي التعافي منه بشكل نهائي في الملتقيات الكبيرة والصغيرة على سواء. وآفة الكثير من الملتقيات هو هذا الارتجال المضرّ بالمحاضر وبالمتلقين على سواء.