الجامعة الجزائرية في زمن التغيير
أ. عبد القادر قلاتي/
بعد توجه الدولة لإنشاء مدارس عليا في التخصصات الحيوية التي يطلبها السوق، ويتأسس على ضوئها البناء الاقتصادي المعاصر، ربما تتحول الجامعات القديمة إلى هياكل إدارية تسير بجملة من القوانين والنّصوص التي تمنح المنتسب إليها وثيقة تنص على انتساب هذا الطالب إلى التعليم العالي، وتخوّله الحق في طلب العمل والاسترزاق من خلالها، لكن لا تكفل له هذا الحق في الحصول على وظيفة تناسب مكانته الاجتماعية، وتحقق له شيئا من الكرامة الانسانية.
منذ أيام كنت أشاهد فيديو لوال على إحدى ولايات الوطن، زار مقرا من مقرات الولاية في طور الإنشاء، وتحدث مع عامل يحمل شهادة الماستر، وراح الوالي يستعرض جملة من الوظائف التي يحق لهذا الشاب التقدم إليها باعتباره يحمل مؤهلا يخوله ذلك، لكن الشاب كان مصرًا على أنه طرق كلّ الأبواب ولم يظفر بوظيفة تناسب شهادته العليا، التي تمنحها الجامعات الجزائرية، ولم يكن هذا الطالب/العامل الذي اضطرته الظروف إلى القبول بالعمل في ورشة بناء يدرك أن التحولات السياسية والاقتصادية التي عرفها العالم اليوم، ربما تتجاوز كل الأعراف والتقاليد التي صاحبت نشوء الدولة الحديثة، وأن المسار الاقتصادي اليوم في العالم كله، لم يعد رهين المعطيات القديمة حيث يتم الاختيار بين المؤهلات العلمية التي تمنحه غالبا الجامعات، بل إن هناك خيارات أخرى أصبحت تشكل منافسا حقيقا للتكوين الجامعي، في الزمن والنوعية والكفاءة المهنية، كل ذلك جعل الاقتصادات الوطنية تبحث عن الصيغ الأكثر جدوى وفاعلية في استقطاب الآليات المحركة لدواليب الإنتاج الاقتصادي، دون النّظر في مشروعية المؤهل العلمي، الذي تمنحه الجامعات التقليدية، لذا لجأت الكثير من الدول إلى فكرة إنشاء مراكز تكوين ومدارس عليا لتخريج الكفاءات الحقيقة- تكوينا وتأهيلا– وتجاوزت فكرة الخضوع لسلطة الجامعة التقليدية، التي تحوّلت مع السياسات الفاشلة إلى هياكل بيداغوجية مترهلة إدارياً ومتخلفة عن المنجزات العلمية والمعرفية المتسارعة في العالم.
إن مستقبل الجامعات في صيغتها التقليدية، لم تعد محل تقدير من النخبة الحاكمة في العالم، ومن ثمّ قد نشهد حالة من التجاوز السريعة لمفهوم الجامعة في صورتها التقليدية، هذا بالنسبة للعالم المتقدم فكيف بالنسبة لنا في العالم الثالث؟