شعاع

معـهد للدعاة ..والداعيات

يكتبه: د. حسن خليفة/

يجرّني الحديث في كثير من الأحيان مع الأخوة الأفاضل، هنا وهناك… إلى الاشرئباب نحو أفـق أعلى، باستشراف المستقبل، وتصوّر ما يجب أن تكون عليه الأمور، في مجال العمل الإصلاحي ـ الدعوي.
وقد التقيت الأسبوع الماضي مع الأستاذ الشيخ عبد الله سيليـني مدير مدرسة البصائر القرآنية في مدينة الخروب والتي صار لها ـ بحمد الله ـ عدد من الفروع والشعب هنا وهناك. وقـد طال الحديث بيننا وتشعّب، فتجاذبنا بين أطراف الحديث في شؤون شتى، خاصة بالجمعية، موضوعا ذا بال وذا أهمية، فـقد نبّه ـ بارك الله فيه ـ إلى أهمية الإعداد لمعلَم (مفرد معالم) دعوي بارز مميّز، متخصص أو شبه متخصص يكون في شكل «معهد عال لإعداد الدعاة والداعيات» ؛ خاصة ممن أتموا وأتممن حفظ كتاب الله تعالى، أو هم في الطريق إلى هذا التوفيق الرباني الكريم (حفظ كتاب الله تعالى)…وهم ـ وهنّ اليوم بأعداد وفيرة ، في مشارق الوطن ومغاربه وجنوبه وشماله .
والحـقّ أن الفكرة رائعة ورائدة، فليس ينقص الجمعية، في منظومة إنجازاتها الحاضرة والمستقبلية غير هذا المعهد العالي الذي ينبغي أن يكون أحد الهموم الجميلة التي يحملها القائمون على شأن الجمعية والمحبّون الغيورون عليها .تستقطب الحفظة والحافظات وتعمل على أن يستكملوا تكوينهم المتين في شتى المعارف والعلوم الشرعية واللغوية، ضمن موادّ محددة، ومراجع مدققة، وأسلوب تدريس وتكوين مميزينتهي بهم وبهـنّ إلى أفق علمي باذخ سامق، ورؤية دعوية مستنيرة دقيقة، وفعالية وإيجابية وطموح وحماسة إيمانية تكون كلها في خدمة الدين والأمة والإصلاح .
ومن شأن هذا المعلَم أن يؤمّن للدعوة الإصلاحية الإيمانية مركز تكوين وتدريب وإعدادعاليّ المستوى، يهيء الكوادر البشرية المدرّبة المقتدرة في مجالات الدعوة، بكل فروعها وتفاصيلها، كما يؤمّن أيضا إمداد الساحة الإصلاحية الدعوية بالمطلوب من الكفاءات والإطارات ذات المستوى الجيد من الرجال والنساء، ممن يقومون ويقمن بالواجب الإيماني الكبير …في مواصلة مسيرة الدعوة والإصلاح ،وفق أفضل الأساليب والطرق وأقوى المناهج والرؤى.
وقد اقترح الأستاذ عبد الله أن تعمل الجمعية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية ومصالح أخرى في الدولة، من أجل إيجاد «صيغة «استيعاب وتوظيف لهذه النخبة من الدعاة والداعيات، تأمينا لمستقبلهم المهني على النحو الطيب الذي يراعي وظيفتهم الرسالية المتميزة، أو أن تعمل الجمعية بذاتها على الاستفادة مما سيقدمونه على أن تتولّى هي تأمين مسارهم الوظيفي بالأشكال المناسبة وبالدعم الكافي؛ لتفريغهم لهذا العمل الجليل الذي هو أقرب ما يكون إلى التحصين المجتمعي، وحراسة قيّم الإيمان والإسلام والصلاح في البيئة المجتمعية الوطنية.
1 ـ إن القيام بإحصاء ولو تقريبي لأعداد هؤلاء، من الرجال والنساء ،في كامل أنحاء الوطن؛ ونعني هنا المؤهلين والمؤهلات ليكونوا دعاة بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة العظيمة النبيلة، ومقامها عظيم عند الله تعالى.
2ـ وبحث مؤهلاتهم وقدراتهم وإمكاناتهم العلمية والفكريةوالثقافية واقتراح ما يجب من الشروط والمعاييرالمطلوبة؛
3ـ وفتح ورشة عمل للتحضير لهذا المشروع (إنشاء معهدعال لإعداد الدعاة والداعيات)
4 ـ وتكليف فريق من الخبراء لإعداد برامج تأهيلية مناسبة
5ـ والبحث عن مكان ملائم مناسب، في وسط البلاد؛ حتى يتســنى القدوم إليها بسهولة، وقد يكون في العاصمة أوضواحيها.
6ـ والاشتغال على تأمين هذا المرفق (المركزأو المعهد) بكل ما يحتاج القادمون إليه فيه، بما في ذلك النظام الداخلي (الإقامة) على أن تُنفق الأمة كلها عليه، دولة وشعبا؛
7ـ إيجاد سبيل لتكوين الداعيات أيضا؛ لأن لهنّ دورا كبيرا في العمل الإيماني الإصلاحي الدعوي، وربما إيجاد «داخلية إناث» ضمن مرافق المشروع ، أو تبنّي حيّ من الأحياء الجامعية الخاصةبالإناث لهنّ.
8ـ لوتمّ العمل على هذا النطاق لأمكن أن يُهيأ للمجتمع الجزائري واحد من سبل النهوض المعنوي الكبير به، تتحقّق به حراسة القيّم التي هي الرأسمال الأول والأكبر للإنسان والأوطان والمجتمعات والدول. وهل هناك أثمن من «الإنسان الصالح ـ المستقيم»؟
وليبدأ هذا المعهد العالي ببضع مئات قليلة يدرسون، يُختارون ويُنتقون من بين أفضل طلبة وطالبات العلم، الراغبين والراغبات بصدق وتقصّد في هذا النوع من التكوين، مع تبصّر كامل بأهمية هذا العمل ورساليّته، وفضائله، وجميل مآل تعلّمهم وعلمهم واجتهادهم ويتخرّجون بعد سنين كتائب خير وعلم وهدى ودعوةوصلاح وإصلاح يزرعون الخير في كل جهة وفي كل منطقة وفي كل مدينة وقرية.
ولستُ أغفل هنا تلك المعاهد الخاصة بتكوين الأئمة بكل أصنافهم ورتبهم، وإن في ذلك لخيرا كبيرا كثيرا، ولكن الأمر هنا يتعلق بنوع مميز من الدعاة والداعيات من طراز عال، وثقافة وسيعة، واقتدارومُكنة، وأكثر من كل ذلك الرسالية والتفرّغ الكلّي، والعمل الجبار المنتظم المتواصل؛ لذلك قلتُ: إن مما يجب هو أن تقوم الجمعية بذاتها بتأمين «وظائفهم» وتوفير احتياجاتهم بأساليب شتّى، دعما من المجتمع وتيسيرا من الدولة لتأمين حقل الدعوة كليا أو بشكل شبه كامل.
هل ستكون لهذه الأفكار امتدادات ورجع صدى؟ ذلك ما أرجوه بشدة. كما أرجو أيضا تعميق الاشرئباب إلى أفق مستقبلي باستشراف متبصّر فإن المعضلات كثيرة، والمشكلات متعددة لاتفتأ تتكاثر، والمجتمع في أمسّ الحاجة إلى أساليب وطرق جديدة لتأمين أرصدته المعنوية من المباديء والأخلاق والقيم في أجياله المختلفة، وخاصة في أجياله الجديدة التي تبدو متفلّتة بعيدة عن الحد الوسط لما يجب أن يكون عليه المسلم والمسلمة. والله المستعان .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com