التعامل بالرهن جائز ولو مع غير المسلم
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
الســـــؤال
قالت السائلة: اضطررت إلى قرض مالي من البنك فاشترطوا علي رهنا فرهنتهم متاعا بقيمة القرض، فإذا قضيت الدين سلموا لي المتاع. وسؤالي: هل يجوز التعامل بالرهن؟ وهل يجوز مع غير المسلم؟ وهل يجوز للمرتهن بيع المرهون لأنني أخشى أن يبيع البنك الأغراض المرهونة وهي عزيزة علي؟
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: التعامل بالرهن مشروع أي جائز شرعا، قال الله تعالى:﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 283) فهذه الآية تدل على مشروعية الرهن في السفر، ﴿فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ والمعنى فالرهن يكفي عن الكتابة، وهل يجوز في الحضر، والجواب من السنة النبوية،. ففي الحديث.عن عائشة رضي الله عنها، قالت: [توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعا من شعير] (البخاري. كتاب الجهاد والسير. 2916)
والرهن هو حبس شيء عند الدائن قيمته تساوي أو أكثر من الدين، ضمانا للدين، حتى يُسَدَّدَ الدَّيْن، فيسترد المدين الشيء المرهون. من فعل رهن، يرهن، فهو راهن، والمفعول مرهون، ورهين. والذي يأخذ الشيء المرهون مُرْتَهِنٌ، وجمع الرهن: رهون، ورهان، ورُهُنٌ. وفي لسان العرب لابن منظور.{قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرَّهْنُ مَا وُضِعَ عِنْدَ الإِنسان مِمَّا يَنُوبُ مَنَابَ مَا أُخذ مِنْهُ. يُقَالُ: رَهَنْتُ فُلَانًا دَارًا رَهْناً وارْتَهنه إِذَا أَخذه رَهْناً.} (13/188)
وأما ما هي الأشياء التي يجوز رهنها؟ كل ما جاز بيعه والمقايضة به في الأموال، جاز رهنه، وما لا يجوز بيعه، ولا المقايضة به فلا يجوز رهنه، والأمور بمقاصدها، والمقصود من الرهن الاستيثاق بالدين لضمان استيفائه في الوقت المتفق عليه، وكما هو الدين يجب أن يكون معينا ومحددا ومقدرا، فكذلك المرهون،. والرهن في غير السفر، وفي الديون، والأشياء ذات القيمة الكبيرة، يجب الكتابة. فلم يعد الرهن في وقتنا هذا كرهن دابة مقابل قوت، أو رهن سلاح مقابل قرض يسير،مثلا. بل بعض الناس يرهن دارا، أو أرضا، أو ذهبا، أو متاعا ذا قيمة كبيرة، كل ذلك يقتضي الكتابة والتوثيق، مع بيان الشروط بوضوح. وفي بداية المجتهد لابن رشد. قال: {وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ لَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، بَلْ قَدْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارُهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ} (بداية المجتهد. 4/55) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: قالت السائلة: هل يجوز التعامل بالرهن؟ والجواب قد علمته مما سبق أعلاه من القرآن والسنة، ومما وضحه العلماء ومنهم ابن قدامة وغيره. أن التعامل بالرهن يجوز. ويدخل في عموم التجارات. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: قالت السائلة: وهل يجوز مع غير المسلم؟ والجواب نعم يجوز التعامل مع غير المسلم، في المعاملات المالية، في البيع والشراء، والمقايضة، في كل السلع المباحة، وبالرهون، إذا اجتنبت المحرمات بالنص. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: قالت السائلة: اضطررت إلى قرض مالي من البنك فاشترطوا علي رهنا فرهنتهم متاعا بقيمة القرض، فإذا قضيت الدين سلموا لي المرهون.
1 ـ أن الاقتراض من البنوك التي تتعامل بالربا، لا يجوز، والقرض المشروط بالزيادة على رأس المال لا يجوز. وإنما الذي يجوز في القروض هي القروض الحسنة، التي يسترد فيها الْمُقْرِضُ قيمة القرض ولا يشترط زيادة.﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة:279) وهذا في ربا النَّسَاء (التأجيل مقابل زيادة).قال القرطبي: {فالربا الذي عليه عرف الشرع شيئان: تحريم النساء، والتفاضل في العقود، وفي المطعومات على ما نبينه. وغالبه ما كانت العرب تفعله (قبل نزول آيات تحريم الربا) من قولها للغريم: أتقضي أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه.
والسائلة قالت: كانت مضطرة، والمضطر يجوز له الاقتراض، بِقَدْرِ الضرورة. قال الله تعالى:﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: 173)
خامسا: قالت السائلة: (وهل يجوز للمرتهن بيع المرهون لأنني أخشى أن يبيع البنك الأغراض المرهونة وهي عزيزة علي؟) والجواب أنه لايجوز للمرتَهِنِ يبع الرهن، فإن حل الأجل، يرفع المرتَهِنُ أمر المسألة إلى المحكمة، ويُسْتَدْعى الراهن، فإن أعطاه حقه، رد الرهن إلى الراهن، وإلا يباع الرهن بحكم القاضي ويستوفي المرتهن حقه. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.