كنـــــــــوز الإيمان لسعادة الإنسان، في أسرة كاملة الأركان
أ. محمد مكركب/
هذه خلاصة موعظة فقهية وأدبية من الكتاب المبين، وسنة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، في بيان حسن بناء الأسرة بكامل أركانها، وتبيان دوام سعادتها. هي رسالة تذكير وتفقيه، للشاب الذكي النبيه، فيما ينفعه ويهديه، من كلام ربنا العزيز اللطيف. ومن الحديث النبوي الشريف.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (سورة النساء:1)
هذه الآية لو تدبرها الناس وفقهوها لعلموا أنها عنوان لكل أصول الإيمان، ومن خلال فهمها يفهمون الإيمان، والعمل بالأركان. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ هذا نداء لكل الناس، وعندما يكون الخطاب لجميع الناس معنى هذا أن كل أمر في هذا النداء يعنيهم، وفي هذا دلالة على عموم رسالة القرآن، وعموم بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه أرسل إلى الناس جميها، وأن كل الناس مكلفون بأركان الإيمان، وأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج، وجهاد، وأخلاق، وكل التكاليف. ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ فيه أمر بتقوى رب الناس، ومعنى هذا أن كل الناس مأمورون بالتقوى، بخوف الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد للرحيل. الَّذِي ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ وفي هذا دلالة على وجوب معرفة الرب الخالق سبحانه، فمعرفة الخالق سبحانه من أصول المعرفة، والإيمان بتوحيده من أصول الإيمان. وفقه إعظام الخالق. ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ ومن هنا يبدأ فقه الأسرة المتكونة من أولي الأرحام. ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ فليس الزوج والزوجة، والأولاد، وأهل الزوج والزوجة هم من نفس واحدة فقط، ويجب أن يكونوا كالجسد الواحد، يتحركون بروح واحدة ونفس واحدة، بل الناس كلهم، كيف يغفل الغافلون عن هذه الحقائق. ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ وفي هذا الدعوة إلى الاستقامة بدوام تذكر المراقبة الإلهية.
ثم وبشأن بناء الأسرة فتدبر هذا الحديث الشريف، وفيه تنبيه لطيف للخاطب العفيف، والزوج الظريف، وموعظة واضحة، للزوجة الصالحة، التي تفوز بالتجارة الرابحة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللهُ لَهَا.] (رواه مسلم في كتاب النكاح. رقم: 1408)
كنوز الإيمان حقائق إنسانية خالصة، كالرحمة، والمحبة، والوفاء، والعفة، والتواضع. ولمسات عاطفية ملؤها الحنان، والنُّبْلُ، كرقة الإحساس، ويقظة الشعور، وقيمة الإيثار، والتطوع بالتضحية في سبيل إسعاد الآخرين. وصاحب هذه الصفات، يكون فيه العقل هو القائد الهادي بالوحي نحو المستقبل الآمن، ويتحكم في الغضب والشهوة بالمنطق والحكمة، فلايشتهي إلا ما يحل له، ولا يغضب إلا من أجل رد النفس إلى نهج التقوى. وهؤلاء الأصناف من البشر هم الذين يبنون الأسر، والمجتمعات والدول، ويقيمون الحضارات. ولهم ثلاث أنواع من القوى: العلم، والإيمان، والتوكل على الله سبحانه.
بسم الله الرحمن الرحيم.﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ (النحل:72)
الأسرة كما علمتم تعبير عن بداية أصول الأقارب من زوجين ذكرٍ وأنثَى، ويتفرع منهما فروع هي: الأولاد، ثم الأحفاد، والعلاقة بين الأولاد أنهم: إخوة وأخوات، ثم الحواشي وسائر الأهل من أولي الأرحام، من أعمام وعمات، وأخوال وخالات، وأولادهم، ثم تمتد شجرة النسب، وتتفرع إلى أبناء العشيرة، منهم الأنساب، والأصهار، ومن ثم فإن أصل الناس جميعا ومنشأ هم من أسرة واحدة، هي أسرة أبينا آدم وحواء. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)
وما كان الناس، إلا أسرة واحدة، ثم أمة واحدة، ولو علم الناس كنوز الإيمان وعملوا بها لدامت سعادتهم، ولو عملوا بالأركان، أركان الإيمان، وأركان الإسلام، وأركان الإحسان، لعاشوا في مودة وسكينة وحب وحنان. ولكن هل تفكروا؟ وهل تفقهوا؟ ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (سورة الروم:21) لقوم يتفكرون، لا لقوم يهجرون الكتاب ثم يتخاصمون ويتقاتلون، في قساوة وغلاب، كالوحوش في الغاب؟ ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الرعد:19) ثم إن الحياة البشرية، بناء على السنن الكونية، والسنن الشرعية، تقتضي أن يتآلف الناس ويتعاونوا، ويخدم بعضهم بعضا، بالمحبة والرحمة. {الناس للناس من بدو وحاضرة … بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم} ونحن نتحدث في هذا البحث عن عوامل سعادة الأسرة من الزوجين إلى سائر أولي الأرحام، فتعالوا لنتدبر شيئا من لمسات الحنان، في فهم كنوز الإيمان: فالمؤمن كالنخلة التي تعطي أشهى الطيبات من الثمر، ولو رماها الناس بالحجر، وفي الحديث:[إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً، تَكُونُ مِثْلَ المُسْلِمِ، وَهِيَ النَّخْلَةُ] (البخاري: 5448) والمؤمن كالنحلة تأكل الطيب، وتضع الطيب، تعطي العسل المصفى، فيه شفاء وراحة ودواء. فكذلك المؤمن ومنه الزوج، والزوجة، ولو يؤذى ويغضب، أو يظلم، ويُسَب، ولكنه يعفو ويصفح، ويصلح ويسمح.
ذلك لأن المؤمن رفيق وسهل وشفيق، وفي الحديث.[ إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله] (البخاري: 6927) وعند مسلم. [يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ] (مسلم:2593) [من يحرم الرفق يحرم الخير]و [الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف] من لمسات الحنان، من أخلاق عباد الرحمن، ومن درر ولآلئ كنوز الإيمان. ﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً﴾ (الفرقان:63) تابع في المقال الآتي إن شاء الله تعالى. أركان بناء الأسرة المحافظة.