العناية بالشباب القانتين في دعوة خاتم النبيين المبعوث رحمة للعالمين/ محمد مكركب
كان الرسولُ محمد خاتمُ النبيين صلى الله عليه وسلم، كما وصفه ربه تبارك وتعالى، رحمةً للعالمين، وكان قدوة في الإنسانية للناس أجمعين، كيف لا؟ وهو عليه الصلاة والسلام مرسل لكل من يعيش من بني آدم على هذه الأرض، من يوم بعثته إلى يوم القيامة.كانت عنايته وتربيته وتعليمه للكبير والصغير والرجل والمرأة، وبالشباب خصوصا، فكانت عناية تربوية تأديبية، وعناية نفسية اجتماعية، وعناية تعبدية، لتعليمهم منهج التدين الصحيح، ويحميهم من التنطع الفضيح.
عَلَّمَ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الشباب كيف يكونون من القانتين العابدين، وصنع منهم الداعية والفقيه، والقاضي، والمفتي، والقائد العسكري، والقدوة في القراءة، والسفير والوزير، وأمين الخزانة العمومية لمال المسلمين الذي لا يختلس ولا يبذر. ثم بنى بهم الدولة الإنسانية العظيمة، فقد علمهم ثم قدمهم ثم زكاهم ثم شجعهم، وتركهم يقودون العالم عن جدارة واستحقاق. وهذا هو المطلوب من حُكَّام وعلماء المسلمين أن يعلموا الشباب ويفتحوا لهم الأبواب وأن يقلعوا عن الاحتكار السياسي واستبداد المآسي. العناية بالشباب أمران: تعليمهم بالآيات البينات، وتقديمهم للبناء والمسؤوليات، فإذا لم نربهم ولم نعلمهم ظلمناهم، وإن لم نقدمهم للتسيير والتدبير احتقرناهم وخذلناهم. وقد عَلَّم النبيُّ الشباب فكان منهم العلماء، وتركهم على المحجة البيضاء، دون أن يرسلهم إلى كسرى، ولا إلى قيصر، فكان التعلم في بلدهم والعمل والاكتفاء الذاتي في بلدهم، لأنهم عملوا بقول الله تعالى:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ فكانوا من المتقين العابدين. هذا وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علَّمَه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا، أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل، ومنه قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً﴾ لذلك كان سيدنا رسول الله يقول: [أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ].
1 ـ العناية التربوية التعليمية: علمهم الكتاب والحكمة وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. علمهم الجهاد الحق، والصلاة، والزكاة بالعلم والصدق، وعلمهم التعامل بالرفق، ورباهم بالآداب والأخلاق في المدرسة النبوية، وعلمهم كيف يقيمون اقتصادا قويا لا تصيبهم الأزمات أبدا إن عملوا بما علمهم﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾(آل عمران: 164).
كيف بدأ يعلمهم وهم صغار؟ فهذا مثل في تعليم العقيدة، وبناء الجيل الصالح. لماذا لا نعلم أبناءنا وبناتنا هذا التعليم الحكيم بمنهجية الرسول الكريم، الذي أُعْطِي جوامع الكلم، من مدرسة النبوة يبدأ بناء الإنسان بناء سليما، يا من تشرفون على مناهج التعليم..عن ابن عباس، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: [يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ] (الترمذي. أبواب صفة القيامة.رقم:2516). لماذا لا يكون هذا الحديث وغيره في مضامين البرامج الدراسية، وإلا نكذب الحديث، أم نرد طريقة تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أيها الأب هل قلت لولدك: [احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ] أيها المعلم هل بلغت لكل تلاميذك هذا الحديث، وفقهتهم كيف يحفظون الله؟ كيف يتوكلون على الله؟ كيف يحبون رسول الله؟
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعلم في المسجد ويدعو إلى العلم، وكان يعلم الناس قيمة الحلقات العلمية في المسجد مع إمام المسجد، ويبين صلى الله عليه وسلم خطأ الذين يجدون الإمام يدرس ولا يجلسون لاستماع الدرس، فيعرض الله عنهم، كما يعرضون عن حلقة درس الإمام. فعن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ] (البخاري.كتاب العلم.66) هذا حديث من الأحاديث التي يفتتح بها الأساتذة العام الدراسي في الثانويات والجامعات لتعليم الطلبة، ليعلموهم الاهتمام بحضور الدروس والمحاضرات، وقيمة التعليم الجماعي، ومنه الجامعي، نسبة إلى الجامع والجامعة.
2 ـ العناية النفسية الاجتماعية: لاشك أن الشباب في عنفوان فتوتهم يسعون إلى إشباع غرائزهم الجسدية والعاطفية وتحقيق نصيبهم من المال والاستمتاع بحطام الدنيا. وأنهم يريدون إظهار شخصيتهم بمظهر الرجولة، والفتيات بمظهر الأنوثة الصارخة المشبعة بجمال الجسد ودلال شهرة النسب، وحب المدح والإعجاب. وللعناية بتوجيه الشباب وهم على هذه الشاكلة من الحماس والاندفاع يتوجه إليهم معلم البشرية ومخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. ويقدم هذا التوجيه الأدبي الرفيع. قال عليه الصلاة والسلام: [يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ] (مسلم.كتاب النكاح.1400).
فإذا كان الزواج عصمة للشباب من الزيغ الغريزي، فقد يكون بعضهم غير قادر على الزواج، فهل معنى ذلك فاتته فرصة تحصين النفس من الانحراف؟ لا، أبدا. [ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ] ما معنى عليه بالصوم؟ الصوم ثلاثة أنواع: الصوم المعنوي الفكري، أن لا يفكر الشاب في غريزة الزواج، مادام أنه غير مستطيع، وليصرف تفكيره إلى مشروع علمي في البحث والاكتشاف والاختراع. والصوم المعنوي الاجتماعي، وهو اجتناب الاختلاط المثير للغرائز، كخطأ الشباب والشابات الذين يدمنون على مشاهدة المسلسلات الإباحية، ومنها مسلسلات المتبرجين والمتبرجات التي تعرضها بعض القنوات التلفزيونية وهي آثمة إثما مبينا، والمشرفون عليها يرتكبون ذنبا عظيما، ويتسببون في جرائم يحاسبون عليها. والصوم الاصطلاحي وهو الإمساك عن الطعام والشراب مثل صيام رمضان.
3 ـ العناية بالشباب بتفقيههم التدين الصحيح: عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: [أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي] (البخاري. كتاب النكاح.5063).
وتعليم الشباب تدريبا مباشرا إلزاميا بمعاني وأبعاد هذا الحديث يعصمهم من رذائل التطرف والعنف والغلو في الدين، والتَّرَهْبُن المشين. كما يعصم هذا التعليم النبوي الشباب الإباحي الذين يتركون الصلاة ويسقطون في الخمر والمخدرات. والسؤال الذي يتكرر المرات والمرات، هو لماذا يغيب هذا التعليم النبوي من مناهج التعليم العام؟
حديث الرهط الثلاثة الذي رواه أنس رضي الله عنه، سماه بعض العلماء (حديث الوسطية والاعتدال) إن كثرة الطلاق، وانتشار المخدرات، وتعدد الأحزاب المتنافرة، وكثرة الحرابيين والمغامرين في البلدان الإسلامية كل ذلك بسبب غياب التربية النبوية والسياسة النبوية وبصفة عامة غياب الدعوة النبوية. والعجيب أنه مازال إلى الآن من ينكر بسذاجته وجهله ضرورة السياسة الشرعية النبوية القائمة على القرآن والحديث. ويظنون أنهم في هذا العصر هم في غنى عن تربية الوحي، وشريعة الوحي. والغريب زعمهم أن هذا الخطاب: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ فات وقته، أو أنه لا يعنيهم، أو أنه لا يوجد في القرآن ما يصلح لهم. ويحتفلون بميلاد النبي، صلى الله عليه وسلم، بمظاهر عاطفية، بالمفرقعات، والشموع، والمديح، وحتى بالمواعظ والدروس، ولكن أين العمل؟ إصرار سياسي من قبل الحكام على المخالفات، وإصرار تقليدي من قبل كثير من الدعاة على بقاء ودوام الخلافات والصراعات النفسية، تبديعا، واتهاما بسوء الانتماء. في حين أننا نريد لشبابنا في هذا العصر أن يقيموا مجتمع الوحدة والاتحاد. المجتمع الذي وصفه الله في كتابه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى] (مسلم. ك.البر.2586).