ليس كل من ثبت تخصيصه كمل تخليصه…
مداني حديبي/
الشهادة واللقب والإجازة والمشيخة والأستاذية علامات إيجابية على وجود الهمة والاجتهاد، لكنها لا تعني الوصول والاكتمال والنّضج، فإذا ناداك النّاس: يا شيخ.. يا أستاذ.. يا دكتور… فانظر حقيقة اللقب وجوهره في نفسك لا شكله ورسمه ومظهره؛ لأنّ الأمم الصغيرة والهمم الهزيلة تخترع لها الألقاب الكبيرة لتتلهى بها وتكمل نقصها العميق بفخامة الألقاب.. وتأمل حال الكثير من المبدعين لم تكن لهم إجازات متراكمة لكن إنجازات سامقة راسخة… فبين اللقب وحقيقته مسافة لا تنال إلا بالمجاهدة والمكابدة والعرق المتصبب والمطالعة الذاتية وإسناد الركبتين وإطالة الأنفاس لاقتباس الأحوال والمقامات.. لهذا قيل: عجبت لحنفي تفقه في ثلاثين سنة..
فإذا كان فقه الأحناف يحتاج إلى زمن طويل ومكث صادق ليترسخ ويكون الإنسان فقيها حقا وصدقا، فكيف بغيره من العلوم والفهوم والسلوك؟! فليس من كل من ثبت تخصيصه بلقب ما، قد صار خالصا واصلا..
كثير من الدعاة يظنون أنّهم بمجرد مطالعة مجموعة من الكتب.. وحضور عشرات المجالس..أن نفوسهم قد اكتملت وأنهم لم يعودوا في حاجة إلى التواضع لطلب العلم والدورة الروحية والورد اليومي وحضور مجالس العلم والوعظ والتذكير.. فقد تجاوزوها من زمان ونالوا لقب داعية كامل ليس من حق أي أحد أن يدعوه لمجالسة العامة والمبتدئين، بل يغضب غضبا شديدا إذا ناديته باسمه المجرد؛ لأنّ اللقب العلمي هو عنوانه وغايته.. وبعضهم يستنكف أن يجلس ليسمع من غيره؛ لأنّ لقب دكتور وشيخ وداعية وقائد ينتقص من قيمته ويبتذل إن رآه النّاس متواضعا في مجلس علم… فهذا رسول الله الأعظم -صلى الله عليه وسلم – يدعوه القرآن لملازمة من هم دونه علما وفهما ولقبا: «واصبر نفسك…ولا تعدوعيناك عنهم…».
لهذا لا نغتر بلقب حافظ أو داعية أو شيخ أو دكتور لأنّ لكل لقب حقيقة وروحا وسرا وصدقا. لهذا قالوا: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور».