اتجاهات

المسلــــــم الملتزم الإيجابي

عبد العزيز كحيل/

قد يكون الإنسان مسلما لكنه غير ملتزم بدينه ومقتضيات إيمانه (قال تعالى {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}[سورة فاطر: 32]، وقد يكون مسلما لكنه سلبي في حياته (قال تعالى {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ}[سورة النحل: 76]، وإنما يكون مسلما حقا حين يجمع بين الالتزام والإيجابية (قال تعالى {أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [سورة الأنفال: 4].
من هو المتديّن؟: التديّن الصحيح يعني استقامة العقل والقلب والجوارح على النسق الإلهي، أي يشمل إسلام النفس كل النفس لله، بالأفكار (أفكار حية مستقاة من القرآن والسنة ومن كل مصدر نافع)، والعواطف (الرقة والرحمة والقوة والعزة والعبودية وكل المكارم)، والسلوك (أداء العبادة والبناء والبذل وتسخير الحواس في الطاعة وإمساكها عن الشر).
فالتديّن لا يقتصر على أداء العبادات وحده بل هو الخضوع الكلي لله تعالى بجميع مكوّنات الإنسان، بهذا تتزامن التربية الفكرية والروحية والسلوكية لتنشئة ورثة الأنبياء، الذين يقتفون أثر الموكب الإيماني المعصوم {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}[سورة ص الآية: 45]،هؤلاء عينة من أنبياء الله الكرام، امتدحهم الله جل وعلا باعتبارهم أولي أيد (أي أصحاب جوارح نشطة، وأيد منتجة فاعلة)، وأولي أبصار (أي أصحاب قلوب وعقول، لأن هذه هي مواطن الإدراك، ولا تقتصر الإشادة على امتلاكهم لها كأعضاء فقط، وإنما كأدوات حية نابضة بالنشاط).
ليس المتديّن إذن ذلك العابد الزاهد الذي لاحظّ له من علم ولا من عمل، وإنما هو كل رجل أو امرأة يعلم ويعمل ويتفاعل مع الأحداث والوجود، وفق ما يرضي الله عز وجل، ذلك أن الانسجام مع المنهج الإلهي لا يقوم بالعواطف والانفعالات وحدها، ولا بالعقل وحده، ولا بالجسد وحده.
المسلم المتديّن حقا يحترق قلبه العامر بحبّ الله ورسوله من أجل هذا الدين، يعنيه أمر الدعوة والإصلاح والاستقامة على منهج الإسلام، ويجد في نفسه تضايقا من مشاغل الحياة الدنيا الطاغية، بل يتضايق حتى من بعض الأنشطة الدينية التي إذا طال عليها الأمد لا ترقّق القلوب، ولكن تجعلها قاسية، ولا تزكّي النفوس، وإنما تتركها عرضة لأنواع التلوّث والجفاف.
مسلم إيجابي: كلما أشرقت شمس يوم جديد ازداد من الله قربا وترك أثرا طيبا في الحياة…لا يقتل يومه – أي عمره – بالرتابة بل يجعله متميزا، متميزا بالإقبال على الله تعالى بقلبه وعقله وجوارحه، ومتميزا بفعل الخير، على اختلاف صور الخير وأشكاله، أي ينفع ويصلح ويبني ويعطي ويجلب المسرات والفوائد لعباد الله.
والمسلم الذي فهم عن الله تعالى يكون مع الحق ضد الباطل، يصطف مع الصلاح ضد الفساد، مع الجمال ضد القبح، يقول كلمة الحق حين ينبغي أن يقولها، ينطق بالكلمة الطيبة مع أهله وزملائه وكل الناس، هكذا هو لسانه السليم النقي الطاهر.
يخرج بعزيمته المتجددة المستمدة من إيمانه العميق الغض الطري من ميدان النقد ويدخل ميدان العمل والعطاء، العمل المادي والمعنوي، والعطاء الكثير أو القليل بحسب طاقته وظروفه، المهم ألا يبقى كلاّ متفرجا عاطلا منسحبا.
لا يميت نفسه قبل موته بالملل والروتين والقلق، كما هو شأن كثير من الناس في زمن طغيان المادة وسيادة الستريس stress، يستعين بالله، يبتسم، يغرس شجيرة، يتقن عملا، يستعلي على الواقع البائس ويتجاوزه بأحلام ستصبح يوما ما بإذن الله واقعا جميلا.
يحجم عن تتبع أخبار الفساد والمآسي والسلبيات التي تبثها دون انقطاع الجرائد والفضائيات وتملأ المجالس من الصباح إلى الليل، فقد اكتفينا منها، بل يرفع المستوى.
حاسبْ نفسك: تعلمنا من سيرة السلف الصالح ودررهم أن المؤمن أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه، وقد استنتجوا ذلك من قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[سورة الحشر: 18]، فإذا أوى إلى فراشه سأل نفسه:هل تؤدي الصلوات في وقتها؟ – هل تفتح المصحف يوميا وتقرأ منه أم أنك هجرته؟ – هل لسانك رطب بذكر الله أم يخرج منه الكلام الفاحش والعبارات السيئة؟ – هل تتذكر الموت أم أنك منهمك في الدنيا وترى أن الموت ما زال بعيدا؟ -هل تخصص الجزء الأكبر من وقتك لأسرتك وأبنائك أم لفيسبوك ويوتيوب؟ – كيف حال لباس زوجتك وأولادك؟ أم تظن أن هذه مسألة ثانوية لا تعيرها اهتماما؟- هل تتابع جديا دراسة أبنائك؟ هل يحدث لك أن تقرأ كتابا أم أنك مع الجرائد فقط؟- هل تحرص على العيش من الحلال أم تتساهل مع الحرام؟ – هل أنت بار بوالديك؟- كيف علاقتك بجيرانك؟- هل تؤدي عملك كما ينبغي؟ هل تهتم بأمر المسلمين فتفرح لفرحهم وتحزن لمُصابهم؟ هل تحرص على التزوّد كل يوم من خير زاد: التقوى؟ أم أن همّك مقتصر على الدنيا ومتاعها الزائل؟ هل أنت إيجابي في مجتمعك؟ هل تسدي له خدمات؟ هل تنصح؟ هل تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟
هكذا يحاسب نفسه ويسألها ويجيب عن أسئلته في خلوته حتى لا يكذب على ذاته، وإنما يخفّ يوم القيامة حساب أقوام كانوا ملازمين لمحاسبة أنفسهم ومساءلتها في الدنيا، بينما يعسر حساب من كان في زمرة الغافلين السادرين المسوّفين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com