المسجد يتحدى

عبد العزيز كحيل/
بيت الله تعالى شامخ يتحدى أي وثن ويهزمه وينتصر عليه، إنه يتحدى «الوطن» ومَن خلفها من الاستئصاليين والفرنكوبربريست، وينتصر على دعاة العلمنة والتنصير، أعداء الاسلام والعربية الذين لا يطيقون رؤية مئذنة ولا سماح كلمة التوحيد …بدأت قصتهم حين حوّل الاحتلال الفرنسي جامع كتشاوة (وعشرات المساجد في انحاء الجزائر) إلى كنيسة، ثم حين سمى كاتب ياسين – في الستينات – المآذن بالصواريخ التي لا تنطلق، ووصف المؤذنين بكلاب الدوار، وانتهى الأمر بحملتهم الشعواء على جامع الجزائر، وجعلوا منه سبب إفلاس لإقتصاد، وطالبوا – وما زالوا – بتحويله إلى مستشفى…لماذا؟ لأن موقعه كان يسمى لافيجري(المنصّر الفرنسي في الجزائر المحبوب لديه) فأصبح المحمدية، وهم يكرهون محمدا وما حوله…مرة أخرى هذا كاتب ياسين – بطلهم الأكبر – يؤلف مسرحية عنوانها «محمد خذ حقيبتك» في إشارة يفهمها حتى البليد…لكن ذهب كاتب ياسين وبقي محمد صلى الله عليه وسلم يلهج الناس بذكره ويتفانون في حبه ويسبحون بحمد ربه، تماما كما ذهب الاحتلال ورجعت الكنائس مساجد مرة اخرى إلا تلك التي تصر الأقلية الإيديولوجية على بقائها وإنشاء مزيد منها خاصة في تلك المنطقة بالذات.
المسجد يتحداهم وينتصر عليهم لأنه بيت الله وحصن الاسلام والعربية والقيم والأخلاق…ألم يحن الوقت لفكّ قيوده ورفع التضييق عنه ليخدم الأمة ويحجّم الأقلية التغريبية الباغية، بالقرآن والدروس والمواعظ وتعليم الأطفال واستقطاب الشباب ونشر الفضائل؟
• شموخ المسجد: وللمسجد مرتبة لا تضاهيها أيّ مؤسسة أخرى لِما يتمتّع به من قدسية في النفوس ومصداقية متوارثة منذ صدر الإسلام، ولذلك عمد إليه المصلحون والدعاة والعلماء في كل زمان يجعلون منه منبرا للتوعية وخدمة قضايا الأمة ونصرة الدين وشحذ الهمم لمواجهة التحديات والصعاب وتهذيب الأخلاق ومقاومة المنكرات، وقد انتبه الاستعمار الغربي ثم العلمانية المحلية المتوحشة إلى خطورة المسجد ومركزيته في حياة المسلمين فحاربوه –قديما وحديثا وحاليا– بمختلف الوسائل المباشرة والملتوية، وأخطرُها تحييده وإلقاؤه إلى الهامش وشغله بالمسائل الثانوية والتاريخية والتجريدية حتى لا يبقى له وقت يخصصه للحاضر وإكراهاته وواجباته.
• جامع الجزائر: هل حقيقة أن مشكل بناء مستشفى في الجزائر بمواصفات عالمية مرتبط فقط بجامع الجزائر؟ قيمة إنجازه الإجمالية هي 990 مليون يورو، أي أن قيمة الملاعب الأربعة (تيزي وزو/ براقي/ دويرة/ وهران) أكبرأربع 4 مرات ممّا صُرف على ثالث أكبر جامع في العالم، قيمة إنجازه لا تساوي شيئا مقارنة بما نعرفه عن الأموال التي نهبتها العصابة وحجم القروض الخيالية وتهريب العملة وتضخيم الفواتير، وكذلك حجم الفساد الذي تفجرت فضائحه في سوناطراك وسونلغاز والطريق السيار شرق – غرب وغيرها، وهي أرقام فلكية صادمة…لكن الأقلية التغريبية المتنفذة تتجاوز كل هذا وتتباكى عل «تبذير أموال الشعب» في تشييد الجامع، كما تتباكى على عدم استيعاب المستشفيات الموجودة لأعداد المصابين بوباء كورونا وتقترح كحلّ أمثل تحويل الجامع إلى مستشفى !!! لا ترى المركبات الضخمة والقاعات الفسيحة والمرافق الكثيرة المنتشرة هنا وهناك – ولا تؤدي في الغالب أي مهمة رغم ابتلاعها للملايير – بل ترى الجامع وحده…إنه الحقد على الدين والتضايق من رموز الإسلام والرغبة في طمس معالمه…وهو ما اكده مدير جريدة الوطن بصراحة حين نفى الخطأ على إزالة صورة الجامع وأصرّ على ان ذلك كان مقصودا.
إن ما صرف على الجزائر عاصمة الثقافة العربية سنة 2007 بلغ 600 مليون اورو.
ما صرف سنة 2001 بمناسبة المهرجان العالمي للشباب والطلبة ذي البعد الثقافي بلغ 4000 مليار سنتيم.
وما صُرف في المهرجان الأفريقي الثقافي سنة 2009 بلغ 200 مليون يورو.
وما صرف في تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية بلغ 5.5 مليار دولار.
ما صرفته خليدة تومي منذ ترأسها وزارة الثقافة بلغ 93.000 مليار سنتيم.
وقيمة ما تمّ ضخّه في وكالة دعم وتشغيل الشباب ANSEG بلغ أكثر من 5 مليار دولار، مع أن 90٪ من المشاريع فاشلة، وأصحابها اليوم يطالبون بمحو الديون المسجلة عليهم.
• يوم وطني للإمام!!! ما فائدة هذا؟ الإمام في وضعية غير مريحة: الدولة تريده موظفا طيّعا ينفذ التعليمات، والشعب يريده بطلا يدافع عنه بكلمة الحق في كل الظروف، وهو في الغالب غارق في مشاكل الحياة اليومية…فماذا يفعل له هذا اليوم؟
ونجد هنا نوعْين من الخطباء، أحدهما موظف رتيب لا موقف له، يعنيه المرتب وأمان الوظيفة الحكومية، يلتزم بتعليماتها وربما يبالغ في التزلّف إلى المسؤولين على حساب أمانة المنبر، وهذا الصنف المتوافق مع العلمانية يتماشى مع الرداءة والمواقف الانسحابية، ولا يجد خطابه –في العادة– آذانا صاغية فضلا عن التأثير في روّاد المساجد وتحريك عواطفهم وتغيير أفكارهم وسلوكهم، أما الثاني فهو الإمام الداعية الذي يؤمن برسالة المسجد فيملؤه حيوية ونشاطا، يعنيه إرضاء الله تعالى وأداء الأمانة بكل إخلاص ولو أغضب بعض الناس، يبثّ خطابا إسلاميا أصيلا يتميّز بالاعتدال والواقعية والقوة المؤثرة، بعيدا عن التماوت والتهويل، يعلّم حقائق الدين كما بيّنها الراسخون من العلماء الربانيين القدامى والمحدثين، ويجدّد المعاني بالأسلوب العصري، ويحرّك القلوب بهموم الأمة والمجتمع، يعالج الأدواء بموضوعية ويبرز النماذج الرفيعة ويشيد بالمحسنين والمتألقين والنجباء في جميع ميادين الحياة، إذا وعظ بدأ بالترغيب لتأليف القلوب، وأضاف شيئا من الترهيب بلباقة تليق بمستوى الناس ورقّة الدين التي أصبحوا عليها، يبشّر ولا ينفّر، ييسّر ولا يعسّر، يبني ولا يهدم، يتمثّل في خطابه وسلوكه معاني الرحمة والمحبة والإخاء والصدق مع النفس ومع الله ومع الآخرين، يحاول بكلماته الصادقة أن يعيد إلى القلوب الخشوع وإلى العيون الدموع وإلى العقول المعرفة والذكاء.