طفل التوحـــــــد والتمدرس

أ. / أمال السائحي/
يُعتبر «التوحد» أو اضطراب طيف التوحّد إحد اضطرابات النموّ المُعقَّدة، والتي تؤثِّر على تطوير المُخ الطبيعيّ لمهارات الاندماج الاجتماعيّ والتواصل، ومن السمات المشتركة بين مصابي التوحّد وجود خلل في التفاعلات الاجتماعيَّة، وفي التواصل اللفظي وغير اللفظي، ووجود مشاكل في كيفيّة استيعاب المعلومات الآتية عن طريق الحواس، ووجود أنماط مُحدّدة من السلوكيَّات المتكرّرة يشمل مصطلح (اضطراب طيف التوحّد).
تم وصف الاضطراب بالطيف لأنَّ أعراضه تختلف حدّتها من الأعراض الخفيفة إلى الشديدة فهي مثل طيف له نطاقات مختلفة كل منها يعبّر عن شدّة مختلفة للأعراض.
الأطفال المصابون بالتوحُّد لا يتبعون الأنماط النموذجية لتطور الطفل، في بعض الحالات، قد تكون بوادر المشاكل المستقبلية واضحة منذ الولادة، ويتطوَّر آخرون بشكلٍ نموذجيّ في البداية، ولكن بين عمر 18 و36 شهرًا يبدأ الوضع في التغيُّر. قد يلاحظ الآباء أنهم بدأوا يرفضون التواصل الاجتماعيّ ويتصرفون بغرابة، بل حتى يفقدون المهارات اللغوية والاجتماعية التي قد اكتسبوها بالفعل في فترات سابقة وفي حالات أخرى عن طريق الملاحظة يصبح الفرق بين الطفل المصاب بالتوحد والأطفال الآخرين في نفس العمر أكثر وضوحًا.
فإذن ما هي العوائق التي يمكن أن تصادف الآباء والأمهات من ناحية التعامل مع هذا الطفل؟ وما هي خصائصه الاجتماعية ككل؟ ومن ناحية أخرى أي نوع من المدارس التي يمكن أن تستقبل طفل التوحد؟ ويكون لديها من الاستشاريين النفسانيين، والخبراء في هذا المضمار ممن يمكنهم من تخفيف العبء الذي يواجهه المربي بصفة عامة..
يقول الخبراء في هذه النقطة: «هل من المفيد أن يتم دمج الأطفال المتوحدين مع أقرانهم في المدارس العادية»؟.
إن أول ما يتبادر للذهن هو أن تقديم الخدمات التربوية للأطفال المتوحدين في مدارس خاصة بهم قد يضاعف مشاكلهم التواصلية والاجتماعية، لأنهم سيحصلون على قدر أقل من فرص وخبرات التفاعل الاجتماعي العادي، بالمقارنة مع الفرص التي يمكن أن تتوفر لهم عند إلحاقهم بمدراس عادية. وعلى هذا الأساس يحظى دمج الأطفال المتوحدين مع أقرانهم في المدارس العادية بالقبول، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يكون دمج الأطفال المتوحدين في المدارس العادية أفضل من إلحاقهم بمدارس أو برامج تربوية خاصة بهم، ونظراً لما يتوفر في المدارس الخاصة من إمكانات بشرية وفنية، قد يصعب توفرها في المدارس العادية، ومن هذه الإمكانيات على سبيل المثال :
1 – صعوبة التعامل مع طفل التوحد، ضمن قسم يوجد فيه أكثر من 15 تلميذا.
2 – يضاف إلى ذلك الخشية من أن يكون الطفل المتوحد عرضة للسخرية والاستهزاء في المدرسة العادية بين زملائه أو في فناء المدرسة، وطبعا قد تسوء حالته…
3 – يوجد عامل قلق الآباء والأمهات على مصير أبنائهم، في اكتساب المعلومة التي تضيف له قدما مستقبلا، فإذا من الجميل أن تتكاثف الجهود مع هذه الفئة التي يعاني أفرادها من طيف التوحد، لكونهم يحتاجون إلى الكثير من المساعدة في حياتهم اليومية، وهذا يعني أن وزارة التربية مدعوة للأخذ بعين الاعتبار هذه الفئة وغيرها من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على فتح مراكز ومدارس متخصصة تتوفر على الخبرات البشرية والوسائل والتجهيزات التقنية التي تضمن لأفرادها تلقي تعليما نوعيا يكفل لهم في نهاية المطاف التمكن من الانصهار في المجتمع والتكيف مع مقتضيات الحياة فيه، خاصة وأن ظاهرة التوحد آخذة في التوسع والانتشار في الوسط الجزائري، كما أنه لا يخفى على أحد من الناس ما تلقاه عائلات تَعُد من بين أفرادها مكفوفين أو صما وبكما، وقد شهد الواقع أن من بين أفراد هذه الفئات من تميز ونبوغ كأبي العلاء المعري وطه حسين في فئة المكفوفين، وهيلين كيلر الأمريكية في فئة الصم البكم، أعني بذلك أن هذه الفئات ليست عديمة الجدوى، ولا فائدة منها، بل إن الاهتمام بها والإنفاق عليها، لن يذهب سدى، فقد ينبغ من بين أفرادها من ينتفع المجتمع كله بجهده وعبقريته، فلتبادر إذن وزارة التربية والتعليم بالالتفات إلى هذه الفئات جميعها وتعمل على مساعدتها لتصبح في خدمة المجتمع، لا عبئا يثقل كاهله، ولتضمن لأفرادها تعليما نوعيا يجعل منهم سببا للفخر والتباهي، لا سبة وعيبا نستره ونداريه مخافة اطلاع الناس عليه. ومازال الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه.