{هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}
أ. لخضر لقدي/
احتل الفرنسيون الجزائر على أمل تحويل أهلها إلى نصارى، واستعباد أحرارها، ونهب خيراتها، وشاءت إرادة الله أن ينتصر الشعب الأعزل، وأن يبني جامعه الأعظم على هضبة كان الاستدمار سماها «لافيجري»- أحد أكبر منصريه وأحقدهم على الإسلام.-
وقد بنى الاستعمار كنائسه على الهضاب المرتفعة من أرض الجزائر وأهمها: كنيسة السيّدة الإفريقية في أعالي الجزائر العاصمة تم تدشينها عام 1872 علوها 124 مترا، ويعلوها تمثال العذراء، وكنيسة سانت آكروز بوهران كان بناؤها عام 1850 فوق جبل مرجاجو بوهران يعلوها تمثال العذراء، وكنيسة القديس أوغسطين بعنابة تقع فوق هضبة تطل على ميناء عنابة وواجهتها البحرية، بُنيت مابين 1881 و 1900.
وأطلق الاحتلال الفرنسي على أحد أحياء العاصمة اسم شارل لافيجري زعيم المبشرين وكان الحي يضم أول وأكبر مدرسة للآباء البيض في كامل إفريقيا، بقيادة شارل لافيجري..
وبعد الاستقلال سمي حي لا فيجري بالمحمدية نسبة للنبي الأكرم، وقدر الله العظيم أن يكون المكان الذي بني عليه جامع الجزائر الأعظم هو نفسه المكان الذي تم الاعتداء فيه على الإسلام في الجزائر.
ففي هذا الحي بني الجامع الأعظم للجزائر في موقع متميز يمتد على طول خليج الواجهة البحرية للعاصمة، وتنتصب معه بشموخ أعلى مئذنة في العالم.
والمسألة ليست وليدة الليلة ولا البارحة القريبة وإنما تمتد عقودا وعقودا، فقد أعلن الكردينال «لا فيجري» سنة 1930: أن عهد الهلال في الجزائر قد غبر، وأن عهد الصليب قد بدأ، وأنه سيستمر إلى الأبد.
وكان للجزائريين أصحاب الشأن رأي آخر وموقف آخر وتصرف آخر، عبر عنه قادة الرأي فيهم وأكده شعراؤهم، ثم كان القول الفصل فيه لحملة البندقية سنة 1954 ليدشن الجامع الأعظم بعد أكثر من نصف قرن عن الاستقلال.
لقد رفض الجزائريون سياسة الإدماج في فرنسا كما رفضوا تجنيس الجزائريين وفرنستهم، فهذا الشيخ ابن باديس يقول ذات ليلة من ليالي المولد وفي حفلة جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة:
شعب الجزائر مسلم … وإلى العروبة ينتسب
من قال حال (حاد) عن أصلـ… ـه أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجا له … رام المحال من الطلب
وأكد مفدي زكراياء ذلك سنة 1936 بقوله:
وَلْتَحْيَ الْجَزَائِـرُ مِثْلَ الْهِلاَلِ ….. وَلْتَحْـيَ فِيهـَـا العَرَبيّة
فَلَسْنَا نَـرْضَى الاِمْتِـزَاجَـا ….. وَلَسْنَـا نَرْضَـى التَّجْنِيسَـا
وَلَسْنَا نَرْضَـى الاِنْـدِمـَاجَـا ….. وَلاَ نَرْتـَـدُّ فَرَنْسِيسـَـا
رَضِينَا بِالإِسْـلاَمِ تَـاجـًـا ….. كَفـَـى الْجُهـَّـالَ تَدْنِيسَـا
فَكُلُّ مَنْ يَبْغِـي اعْوِجَـاجًـا ….. رَجَمْـنـَـاهُ كَـإِبْـلِـيسـَـا…
ثم كان القول الفصل لثورة الفاتح من نوفمبر التي دوى نشيدها:
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب * وطويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب * فاستعدي وخذي منا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب * وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.
غير أن الاستعمار تلميذ غبي وبليد فقد دأبت فرنسا عبر تحريك أدواتها وأذنابها داخل الجزائر وخارجها، على التشكيك في انتماء الجزائريين إلى حضارة الإسلام.
فكان من جريدة –الوطن التي تعيش بالإشهار من جيوب الجزائريين- تلك السقطة التي تنبىء عما في قلوبهم …{فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}.
لقد أجازت لنفسها أن تمحو مئذنة الجامع العظم الماثلة للعيان والتي هي أول ما يرى من بعيد من سواحل الجزائر، وجاز لها أن تؤذي الجزائريين في أعز شيء يملكونه وهو دينهم ووطنهم.
فلا يغرنكم اعتذارهم بأن ما حدث كان خطأ تقنيا مؤسفا لا علاقة له بأي طابع أيديولوجي.
إنها الجريدة الغارقة حتى أذنيها في الإيديولوجيا المعادية المقيتة.
إن حبل الكذب قصير فالجريدة دأبت على مهاجمة الثوابت ومهاجمة الجامع بالمقالات والكاريكتير منذ كان مشروعا إلى أن تم تدشينه، إنها العقد النفسية المستعصية.
وفرنسا استعملت قديما لافيجري وتنظيم الآباء البيض الكاثوليكي لتغيير الإنسان الجزائري والمجتمع، بحيث يذوب المغلوب ذوبانا تاما في ثقافة الغالب الدينية، وعندما فشلت وخرجت مدحورة أوعزت لأذنابها وعملائها بإكمال المهمة والتشويش على الجزائريين وتنقيص فرحتهم.
والله وحده العليم بما في الصدور وهو القائل وقوله الحق: {هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[صدق الله العظيم].