اتجاهات

المنظومــــــــة التربويــــــــة إلى أين؟

عبد العزيز كحيل/

مع الدخول المدرسي تتجدد الهواجس، ففي الجزائر الجديدة لا جديد يُذكر فيما يتعلق بإصلاح المنظومة التربوية من تخفيف المحفظة إلى المناهج البيداغوجية.
المدرسة المنكوبة: ما زلنا مع سياسة تغريب هذه المنظومة وتكريس هيمنة اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية وتهميش البعد الإسلامي، مازال مشروع بن بوزيد- بن زاغو- بن غبريط ساري المفعول على مدارس وتلاميذ الجزائر وضمن أجندة عالمية تتضمّن محاربة الإسلام من خلال تفاهة المحتوى الديني المقرّر على التلاميذ، وكذا تكريس منظومة هزيلة تنتهي بالطالب إلى تحصيل لا شيء، وهو ما نلمس آثاره اليوم على جميع المستويات من الطور الابتدائي إلى الجامعة..
إنها منهجية بيداغوجية مدروسة، الهدف منها تخريب عقل الطفل الجزائري بحيث لا يفكر ولا يبدع بل يصبح متمردا على التقاليد والعادات والقيم العربية الإسلامية وأقرب إلى ما يسمى القيم الإنسانية، يمجد حرية التعبير، حرية المرأة المطلقة، التسامح وقبول الآخر حتى ولو كان منحرفا جنسيا أو ملحدا، يقبل بنقد المقدسات والثوابت والقيم، كل من له عقل واع يدقّ ناقوس الخطر على أوضاع المنظومة التربوية، ويصرخ أنها الكارثة المحقَقة: الطلبة، الأولياء، الأساتذة، المفتشون، الإدارة، المنظمات الدولية المختصة، هناك جهة واحدة مبتهجة بحال المدرسة هي الأقلية الفرنكو- علمانية، فهي تبصم بالعشرة على «الإصلاحات»، لا تأبَه لصرخات الرأي العام وتقارير الجهات والشخصيات المختصة، ومعلوم أن رؤى وقناعات تلك الأقلية هي المقياس والمعيار ولو اتفقت الدنيا جميعا على خطئها لأن الغاية من «إصلاحات» لجنة بن زاغو تهدف إلى شيء واحد لا علاقة له بجودة التعليم، هو تغريب المدرسة وفرنسة لسانها، وبما أنها أزاحت المرجعية الإسلامية من المناهج ولغّمت العربية فقد نجحت في مهمتها حتى ولو رتّبت التقارير الدولية المختصة في التعليم الجزائر في الذيل بعد مالي والنيجر، ولماذا لا تتمادى النخبة التغريبية في مسعاها وهي تحظى بالتأييد الضمني للأحزاب «الوطنية» والإسلامية والبرلمان «الممثل للشعب» ؟
والحل إذًا ؟ في السنوات الماضية كان البعض يطالبون باستقالة وزيرة القطاع آنذاك كأنهم لا يعلمون أنها تطبق خطة تبناها النظام ولا يحيد عنها، كما لا ينقضي العجب من «الطيبين» الذين يأملون خيرا من «الإصلاحات» التربوية، فهل ينبت الشوك عنبا؟
مرة أخرى : والحل إذًا؟ أعتقد أنه لا مفرّ من العمل الشعبي الموازي المدروس القوي، أي إحياء منهج ابن باديس، الآن قبل الغد، وحشد الطاقات المخلصة وما أكثرها في شعب متمسك بإسلامه وعربيّته، مستهجن للتغريب القبيح والفرنسة الحثيثة، فنحن كما قال الشيخ البشير الإبراهيمي قد نقبل بسوء التغذية ولكن لن نرضى بسوء التربية…لابد من خطة مستقلة قوية محكمة الأركان تركز في الطور الابتدائي على القراءة والكتابة والتعبير والحساب بعيدا عن الحشو وإرهاق التلميذ بما يفوق قدراته ولا يعود عليه بفائدة.
أسباب التسرب المدرسي: هذه ظاهرة مؤسفة تنامت في ظل «الإصلاحات» وتفاقمت حيث أصبح الشارع يحتضن الآلاف من الأطفال والمراهقين ويُسلمهم للآفات المختلفة بدل أن يكونوا في مكانهم الطبيعي وهو مقاعد الدراسة، وللتسرب المدرسي أسباب موضوعية لا علاقة لها بما ذكره الوزير السابق أمام البرلمان، الأسباب ليست هي الزواج المبكر أو الالتحاق بالمدارس القرآنية كما قال ذلك الوزير بل هي:
– انتشار الحبوب المهلوسة والمخدرات بشكل رهيب فضيعت كثيرا من الشباب.
– انشغال كثير من الشباب والشابات بالعلاقات غير الشرعية مما سبب فشلا في الدراسة لديهم، ويعود ذلك إلى الكم الهائل من مشاريع الإفساد التي تبثها القنوات وعدم حجب المواقع الإباحية.
– عدم توفّر مناصب شغل للمتخرجين، فيرى الشاب أنه يقضي عمره في الدراسة ثم يتخرج خضارا أو عاملا يوميا، لذلك يفضل التوقف ودخول سلك الجيش مبكرا إن استطاع.
باختصار إنه فشل المنظومة التربوية في استيعاب التلاميذ وتوفير مناخ يحبب إليهم الدراسة ويقنعهم بالمواصلة…أما الأولياء فكثير منهم استقالوا من متابعة دراسة أبنائهم ويلقون باللائمة على الدولة.
الحقيقة أننا في دوامة مفزعة لا ندري كيف سنخرج منها بينما يتمّ التركيز على منحة التمدرس والمحافظ والمطاعم المدرسية…أي التركيز على الفرع وإغفال الأصل».
ذهبت بن غبريط وبقيت مناهجها ماذا ينتظر نواب البرلمان والنقابات وجمعيات أولياء التلاميذ للمطالبة بتصحيح المناهج التربوية التي أفسدتها بن غبريط؟ مناهج خالية تماما من التربية من جهة، وعملت على إفساد المستوى التعليمي من جهة أخرى… يجب المسارعة إلى إلغاء ما يرهق الطور الابتدائي ولا يفيد التلاميذ مثل التربية المدنية والاجتماعية والتاريخ والجغرافيا … ماذا يفهمون في هذا؟ المحافظ أرهقت ظهورهم بلا فائدة، هذه مرحلة القراءة والكتابة والحساب والتربية الدينية والخُلقية والإملاء والتعبير الشفوي… وهاهم يريدون تقليص ساعات العربية والرياضيات لصالح لهجة لا علاقة لأغلبية الجزائريين بها… نريد لأبنائنا مزيدا من العربية والإنجليزية والتربية الإسلامية.
إن المناهج التي تحوّل البيوت إلى مدارس والأولياء إلى مدرّسين فاشلة بكل تأكيد، وانظروا إلى مستوى التلاميذ التربوي والتعليمي لتتأكدوا أنه آن أوان دق ناقوس الخطر بكل قوة، فلْيتكلم الأولياء والمعلمون والمفتشون والنواب والنقابات اليوم قبل الغد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المنظومة التربوية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com