إفتتاحية الدكتور عمار طالبي

أيـــن مسؤوليــــة البلديـــــات ؟

أ. د. عمار طالبي
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

من المعلوم أن البلديات في كل دولة هي الحكومة المباشرة لشؤون الشعب من نظافة المدن، والسهر على مراقبة البالوعات ومجاري المياه، والمدارس، ومساكن المعلمين، ونحن في الجزائر نتعرض للفياضانات، فتحدث أضرار بسبب عدم العناية، بتطهير مجاري المياه، وصرفها، مررت هذا الصباح على بعض شوارع البلدية فرأيت فريقا كبيرا في عدده، قليلا في عمله، أغلب هؤلاء إما واقف ينظر إلى المارة، وإما متكئ على آلة التنظيف، والذي يقوم بعمل ما يقوم به معوجا لا إتقان فيه، فهذه الطاقات البشرية خامدة، وليس لها أي قائد يقود الأعمال ويشرف على هؤلاء الخاملين الموتى وهم أحياء في ظاهرهم.

يجب النظر لتحديد هذه المسؤوليات للبلديات التي تزعم أنها لا صلاحية لها وأن الوالي هو الذي يتصرف، ولا يترك أية صلاحية لهذه البلديات، ثم إن الفوضى عمّت وتضخمت في التعمير والبناء، فلا توجد قوانين صارمة في تخطيط المدن كما نرى ذلك في مختلف البلدان، بما في ذلك البلدان العربية كالأردن.
وهذه العمارات التي تبنى كأنها أقفاص يحشر فيها البشر حشرا لا تجد في أغلبها مساحات خضراء، ولا إعداد لمدرسة ولا لملعب للأطفال، أظن أنه حان الوقت للجزائر الجديدة، أن تجدد نفسها، وأن تخطط لمدنها وقراها، وأن يكون لذلك قانون ينفذ بصرامة تامة.
ثم إن هذه الأمطار التي تفيض بها الأرض تتطلب تخطيطا لإنشاء سدود صغيرة في كل مكان صالح لذلك حتى لا تضيع هذه المياه في البحار والسهول، فهذا أقل تكلفة من تحلية مياه البحر، ومن حفر الآبار التي تستهلك المياه السطحية وغيرها التي نحتاج إليها في أوقات أخرى.
كذلك نرى بعض المدارس بسبب ما أصابها من زلزال أو اهتراء لا يعنى بإصلاحها وترميمها، حتى إذا جاء وقت الدخول المدرسي، يتفطن مديرو التربية أو البلدية أو أولياء التلاميذ إلى أن هذه المدرسة أو تلك غير صالحة لاستعمالها ودراسة التلاميذ، ونرى في بعض البلديات مدارس مهيئة وبنيت لكن تترك ولا تستعمل فتتهالك وتصبح ملعبا للأطفال، وتحطم أبوابها ونوافذها، وقد شاهدت هذا بنفسي في بلدية في القرية التي نشأت فيها، وكم خاطبت رئيس الدائرة وكم وعدني لكن تبقى دار لقمان على حالها.
إن الدراسات المتعلقة بتقدم الصحراء وهجومها على الشمال مخيفة، فربما وصلت الصحراء الكبرى عندنا إلى البحر شمالا كما وصلت إلى بنغازي صحراء ليبيا، واتصلت بالبحر، وكان قد خطط السد الأخضر وبدأ هذا المشروع بداية جيدة واستخدم فيه شباب الخدمة الوطنية العسكرية، ثم توقف، وكان ذلك خطاً استراتيجيا واضحا، ونحن نرى هذه الأيام الرياح تحمل التراب والرمل إلى الشمال بكميات كبيرة نزلت على ساحات المنازل والطرقات، وانصبت على السيارات التي تستعمل كميات كبرى من المياه لتنظيفها، وتنظيف المنازل، ونحن في أشد الحاجة إلى هذه المياه الشروب.
إن هذا خطر كبير، ومن الضروري إعادة تفعيل هذا السد الذي يكون حاجزا أخضر لإيقاف زحف الرمال، وجو الصحراء وإصابته الأراضي الخصبة في الشمال بالعقم، فأغلب سكان الجزائر يتجمع في الجزء الشمالي منها، وأغلب الجنوب خال من السكان.
يبدو أن الانتخابات القادمة تحتاج إلى وعي الناخبين، فلا يجعلون القبيلة أو العروشية هي مقياس انتخاب المسؤولين عن البلدية، بل يعتمدون على الكفاءة والنزاهة لتصبح البلدية خلية فعالة تدبّر شؤون البلدية تدبيرا محكما من جميع النواحي.
أين علماء الاجتماع وعلماء النفس؟
من يطالع ويسمع ما تحمله لنا وسائل الإعلام المختلفة، من جرائم القتل الشنيع، وجرائم المتاجرة بالمخدرات والسموم، وهي تعرضها الشرطة القضائية والدرك الوطني، تعرض الأشخاص المجرمين، والكميات الهائلة من هذه السموم، ويتكرر هذا كل يوم تقريبا.
إن الشرطة القضائية والدرك الوطني يملكون جميعا معطيات وإحصائيات دقيقة، وكذلك المحاكم التي تحقق مع هؤلاء المجرمين، كل ذلك محل دراسة علمية ميدانية ولكن أين هذه الدراسات الميدانية، ودراسة الحالات للوصول إلى دوافع القتل، ودوافع تجارة المخدرات، ودوافع هجرة الشباب الجزائري كما نرى هذه الأيام، أعدادا هائلة منهم تعبر البحر إلى إسبانيا.
إن الإدارة العامة للبحث العلمي وتطويره لها مسؤولية البحث، وكذلك إخواننا علماء الاجتماع وعلماء النفس، وأهل الاقتصاد، نريد أن يعتنوا بهذه المشكلات وأن لا يغرقوا في الدراسات النظرية، ودراسات الغربيين فإن مجتمعنا يختلف عن المجتمع الغربي، ولوزارة الشؤون الدينية والأوقاف مسؤولية في تجنيد الأيمة لشرح خطر المخدرات والجرائم على المجتمع المسلم الجزائري، ونحن نخشى أن يمتد ذلك إلى تلاميذ المدارس، وطلاب الجامعات، وهم ثروة الأمة ورجال مستقبلها، فتدمّر أجسامهم وعقولهم تدميرا.
فنحن في هذه الافتتاحية لا نريد أن نفسر هذه الظواهر، ودوافعها، وأسبابها، فهذا يقتضي دراسة ميدانية بناء على معطيات وإحصاءات وتحقيقها واستبيانات وبيانات للوصول إلى ذلك كله من أجل العمل على العلاج والتوجيه والإرشاد، والقضاء على تلك الأسباب بالتدريج.
إننا إن لم نجدّد شؤوننا في هذه الجزائر الجديدة المرتقبة على أساس علمي وتخطيط واضح، فإننا لا يتحقق لنا هذا التجديد الذي نرومه وندعو إليه، ويصبح التجديد شعارا لا محتوى له ولا مضمون في واقع الأمر.
ومن الضروري أن نعترف بوجود أخطاء والتصدي لتفاديها في جميع المجالات، وخاصة المنظومة التربوية، والمنظومة الاقتصادية، ونحن نرى هذه الأيام جيوشا من التلاميذ، فكيف نصنع مصيرهم وكيف نعدّ لهم صناعة علوم التربية وتطبيقاتها الفعالة لصياغة أفكارهم ووجدانهم صياغة تجعلهم مبدعين لا مجرد مستهلكين لمعلومات جاهزة أنتجها غيرهم، وقد يكون فات أوانها وتجاوزها غيرنا، وأصبحت معلومات تجاوزها الزمن، وتجاوزها العلم المتطور المتجدد كل يوم.
نسأل الله العافية من كل تخلّف فكري وبلاء وبائي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com