الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثة: فِي الْكَلَأ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
الفتوى رقم:531
الســـــؤال
قال السائل: (الأخ: و.ل) سمعت خطيبا يوم الجمعة قال: جاء في الأثر: {الناس شركاء في ثلاثة: الكلأ، والماء، والنار.} ما معنى الأثر؟ ثم أهذا القول حديث نبوي؟ أم من أقوال العلماء؟ ونرجو شرحا ولو بسيطا، عن هذ القول.
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: روى هذا الأثر أبوداود. فقال: {حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ اللُّؤْلُؤِيُّ، أَخْبَرَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ قَرْنٍ ح وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو خِدَاشٍ، وَهَذَا لَفْظُ عَلِيٍّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا أَسْمَعُهُ، يَقُولُ: [الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ]} (أبوداود. كتاب الإجارة. باب في منع الماء. رقم:3477) ورواه ابن ماجة من حديث ابن عباس. رقم: 2472.) وقال ابن ماجة في رواية أخرى. {حَدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ] (ابن ماجة: 2473) ورواه أحمد في المسند. 23082) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: نقول للسائل بداية: هذا الأثر حديث نبوي. بناء على ما وثقه هؤلاء الرواة في هذه المراجع. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: شرح الحديث. ورد في كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن. على كتاب المصابيح، للبغوي. ورد في الشرح: {لما كانت الأسماء الثلاثة في معنى الجمع أَنَّثَهَا بهذا الاعتبار، وقال: ((في ثلاث)) والمراد بالماء المياه التي لم تحدث باستنباط أحد وسعيه، كماء الآبار، ولم يحرز في إناء أو بركة، أو جدول مأخوذ من النهر. وبالكلأ ما ينبت في الموات، والمراد من الاشتراك في النار، أنه لا يمنع من الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها، لكن للمستوقد أن يمنع أخذ جذوة منها، لأنه ينقصها ويؤدي إلي إطفائها. وقيل: المراد بالنار الحجارة التي توري النار، لا يمنع أخذ شيء منها إذا كانت في موات}.(7/2220. الحديث، رقم:3001)
قال محمد فؤاد عبد الباقي: (المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار) ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فقالوا إن هذه الأمور الثلاثة لا تملك ولا يصح بيعها مطلقا. والمشهور بين العلماء أن المراد بالكلأ الكلأ المباح الذي لا يختص بأحد. وبالماء ماء السماء والعيون والأنهار التي لامالك لها. وبالنار الشجر الذي يحتطبه الناس من المباح فيوقدونه. وقال الخطابي الكلأ هو الذي ينبت في موات الأرض يرعاه الناس. وليس لأحد أن يختص به} (سنن ابن ماجة.2/826)
وفي كتاب عون المعبود: {قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَنْتَهِضُ بِمَجْمُوعِهَا فَتَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَخُصُّ بِهِ عُمُومَهَا لَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا كَالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا أَعَمَّ إِنَّمَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَالِ وَثُبُوتُهُ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مَحَلُّ النِّزَاعِ انْتَهَى.. وَقَالَ السِّنْدِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ لَا تُمْلَكُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلَأِ هُوَ الْكَلَأُ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ، وَبِالْمَاءِ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ، وَبِالنَّارِ الشَّجَرُ الَّذِي يَحْتَطِبُهُ النَّاسُ مِنَ الْمُبَاحِ، فَيُوقِدُونَهُ، فَالْمَاءُ إِذَا أَحْرَزَهُ الْإِنْسَانُ فِي إِنَائِهِ وَمِلْكِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَذَا غَيْرُهُ انْتَهَى} (عون المعبود وحاشية ابن القيم:9/268) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: قال السائل: {ما معنى الأثر؟} الأثر لغة: بقية الشيء الذي كان منه، والجمع آثار وأثور. والأثر، بالتحريك: ما بقي من رسم الشيء. وما يتركه الإنسان وراءه بعد موته، يسمى {أَثَرَهُ} قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ وَآثارَهُمْ، أَيْ: مَا سَنُّوا مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ. والمأثور المروي من التراث. كالخطب، والحكم، وسائر الأقوال.وغير ذلك مما يكتبه ويقوله العلماء. ويقال: {شيء مأثور من كتب الأولين} ويقال: {مآثر العرب: أي: مكارمهم ومفاخرهم التي تؤثر عنهم، أي تذكر وتروى}.
والأثر اصطلاحا: هو ما روي عن الصحابة من أقوالهم في الأمور الشرعية. وهو الخبر موقوفا، دون أن يرفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام. وفي مقدمة ابن الصلاح: {مَوْجُودٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْخُرَاسَانِيِّينَ تَعْرِيفُ الْمَوْقُوفِ بِاسْمِ الْأَثَرِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْفُوزانِيُّ مِنْهُمْ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ: الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: الْخَبَرُ مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَثَرُ مَا يُرْوَى عَنِ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ } (1/46).
وفي النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي:{قال: التَّفَاوُت فِي الْمَرَاتِب يَقْتَضِي التَّفَاوُت فِيمَا يَتَرَتَّب على الْمَرَاتِب فَيُقَال لما نُسِب لصَاحب الشَّرْع الْخَبَر. وللصحابة الْأَثر. وللعلماء القَوْل وَالْمذهب. وَنبهَ النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصره على أَن أهل الحَدِيث كلهم يطلقون الْأَثر على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف} (1/417) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.