من رموز التزوير: طــــــــه حســـين

أ.د. عبد الملك بومنجل/
يُقدَّم طه حسين في أدبيات الاتجاه العلماني الحداثي على أنه الرمز الأكبر من رموز التنوير العربي. وأنه أحد روّاده الكبار. ويحلو لكثير منهم أن يلقِّبه بـ «عميد الأدب العربي»؛ وقد شاع هذا اللقب على غفلة من الناس، حتى غدا كما لو أنه حقيقة تاريخية لا جدال فيها ولا غبار عليها!
هكذا تصنع دوائر الاستعمار والاستحمار الأسماءَ والألقاب. وهكذا تُقدِّم عملاءها في صورة الرموز الكبار، وتهيّْء لهم من ظروف الشهرة وانتشار الفكرة، ثم تمكّنهم من المناصب ذات الأثر في توجيه دواليب التربية والثقافة، ما يمكّنهم من إنفاذ مشروعها في البلاد المستعمرة ثقافيا واقتصاديا، من بعد ما خُيِّل لأبنائها أنهم تحرروا من الاستعمار تماما.
اسم طه حسين شائعٌ لامع في كل البلدان العربية، ونصوصُه الأدبية والفكرية موضعُ احتفاءٍ واقتباس واستثمار في مختلف الدوائر التعليمية والفكرية والثقافية. ومقولة «عميد الأدب العربي» جاريةٌ على كل لسان لا يخطر في بال أحد أن يشكك فيها. وهكذا تصنع دوائر الاستعمار الرموز، وتمكّن لهم في العقول؛ فإن أجيالا تتربى على مقالات لطه حسين تَرِد في الكتب المدرسية وفي الامتحانات الرسمية، لن يخطر في بالها من شأنه سوى أنه أديب الأمة الأمين، ومفكرها العظيم؛ حتى إذا قرأت له في مراحلَ قادمة أفكارا فيها شبهة الخيانة للأمة، والطعن في مصادر دينها وأصول هويتها ورموز حضارتها، كانت مهيأة لقبول ذلك بعض القبول، أو للإغضاء عنه كل الإغضاء!
أعميدا للأدب العربي كان طه حسين أم عميلا للثقافة الفرنسية؟ أرمزا للتنوير كان أم قلما لتزوير حقائق الإسلام وتاريخه وحضارته ورموزه؟ الشواهد التي بين أيدينا تؤكد أن ولاءه للحضارة الغربية يربو على ولائه للحضارة الإسلامية، وغيرته على مقام أوربا وصورتها في القلوب أشد من غيرته على التاريخ الإسلامي والأدب العربي ورموز الثقافة العربية. أليس هو القائل: «إن السبيل واضحة بيّنة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي واحدة فذة ليس فيها تعدد، وهي: أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يكره، ما يحمد منها وما يعاب..» ! أليس هو القائل: «لقد التزمنا أمام أوربا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع…»؟ أليس هو المفتون بأوربا إلى الحد الذي يحمله على الزعم أن المصريين أوربيون في الواقع ولكنهم يتوهمون أنهم شرقيون، وأن الواجب هو «أن نمحو من قلوب المصريين أفرادا وجماعات هذا الوهم الآثم الشنيع الذي يصور لهم أنهم خُلقوا من طينة غير طينة الأوربي، وفطروا على أمزجة غير الأمزجة الأوربية، ومنحوا عقولا غير العقول الأوربية»؟ فهل هذه التبعية، وهذه الدعوة إليها، وهذا الشعور بالنقص، وهذا البذر له في النفوس، من التنوير في شيء؟
أما موقفه من أصول الحضارة الإسلامية ورموزها، فحدّْث ولا حرج. الشواهد مِن كُتبه تثبت أنه شكك في مصداقية الخبر القرآني حينما كتب: «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلاً عن إثبات هذه القصة … أمر هذه القصة إذن واضح، فهي حديثة العهد، ظهرت قبل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب ديني وسياسي، وإذن فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي أن لا يحفل بها عندما يريد أن يتعرف على أصل اللغة العربية الفصحى». وعندما تبلغ الجرأة «التنويرية» هذا القدر من تزوير الحقائق إرضاء للأهداف الاستعمارية الغربية، ومسايرة للشبهات والمطاعن الاستشراقية، يهون أمر التشكيك في الشعر الجاهلي، والتشويه لعظماء الحضارة الإسلامية؛ وقد ولغ الرجل في ذلك ولوغا منكَرا.. وللحديث بقية.