هل نشهد مرحلة «ما بعد الإسلاميين»؟…

أ. عبد القادر قلاتي/
لا نقصد بالإسلاميين عموم المسلمين من مذاهب وجماعات منظمة، أو شخصيات مستقلة، لكن مقصدنا هنا، التيار الإسلامي الذي اتخذ من السياسة أداة للتغيير، وانخرط بقضّه وقضيضه فيها، فهذا التيار له ما له وعليه ما عليه، ولأنّه ينتمي إلى واقع سياسيّ وفي إطار أنظمة تشكّلت على أعين المشروع الاستعماري الغربي، فهو لا يملك من الأمر شيئاً إلاّ أن يستصحب هذا الواقع ويتصرف وفقه وبمقتضاه، ومع هذا يملك هذا التيار حضورًا قويًا في البنية الاجتماعية العربية، ويملك من أدوات اللعبة السياسية الكثير من الآليات التي يفرضها نموذج الدولة الحديثة، ومنذ ظهور الاحزاب ذات الخلفية الإسلامية وفي كلّ الاستحقاقات الانتخابية التي تشهدها الدولة العربية والإسلامية، إلاّ وتحصد هذه الأحزاب من الأصوات ما يمنحها قيادة الدولة والمجتمع، غير أنّ الدولة العميقة وتوابعها ومن يقف وراءها، تفسد لهم لحظات الانتصار، إمّا بالتزوير أو الانقلاب الذي يعيد العملية السياسية إلى البداية الصفرية.
إنّ مرحلة «ما بعد الإسلامين» حلم يراود الكثير من ايديولوجيي العداء للدين من نخب سياسية وثقافية تعمل ليل نهار على تشويه التيار الإسلامي بعمومه والسياسيّ منه على وجه التحديد، وهي في كلّ ذلك تستخدم ما تملك من أدوات التشويه والتشهير بالكتابة تارة وبالفنون تارة أخرى، وبالتعاون والتحالف الخفي والظاهر مع الأنظمة السياسية الحاكمة، ومن هنا فمرحلة «ما بعد الاسلاميين» لحظة تنتظرها الأنظمة الاستبدادية، ويسعى إليها المشروع الاستعماري الغربي، وحلم جميل لم يستفق من عذوبته تيار العلمنة العربي الذي فقد رصيده تماماً منذ ظهر التيار الإسلامي كمنافس شرس في الساحة السياسية، وهذه حقيقة لا يقرّها إلاّ من اعتاد مجانبة الحق والخضوع لمنطقه، أو من يتبنى استراتيجية العداء -لهذا التيار – بسبب مرجعيته الدينية فقط، لكن سؤالنا هذا يشير إلى مسار جديد، ربما يتجاوز هذه الحقيقة، وهو أنّ لعبة السياسة وتجاذباتها تعطي جملة من القراءات الواقعية التي تُخرج الحقائق والمسلّمات من إطارها الذهني ومخزونها الفكري إلى واقعها المعيوش وتفاصيل تشكلها في الحياة العامة للبشر، فهل سنشهد هذه اللحظة في ظلّ ما عشناه في الفترة الأخيرة من تحولات مُفاجئة لم تكن محلّ تنبوء، فرجوع طالبان إلى الحكم في أفغانستان، وتساهل حزب العدالة والتنمية المغربي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، والمصير المخزي للنتائج، التي تحصل عليها في الانتخابات الأخيرة، كلها مؤشرات، لا تخدم أي قراءة تسعى للتنبؤ بمصير هذا التيار، أو الحديث عما بعده.