أفراح البدايات.. مع الشيخ السعيد بويزري
مداني حديبي/
في بداية الثمانينات وبدعوة كريمة من الشيخ بويزري السعيد سافرت مع الأحباب الكرام.. الطيب بن العيطر الأزهري وشقيقه الحبيب بن العيطر السعدي رفقة الجار الطيب سعدي عمر بن السعدية.. أخذنا معنا هدية رمزية جميلة… وصلنا إلى مدينة البويرة حيث ينطلق موكب العرس البهيج إلى مدينة شماس.. الموطن الأصلي للشيخ السعيد.. فقد اختار فارسة حكيمة رزينة تليق بمقام الدعوة وبناء البيت الذي سيكون وقفا لله والفتوى وإصلاح ذات البين وحلّ عشرات القضايا الأسرية والمجتمعية.. فوراء كل مصلح مؤثر حكيم ورجل عامة.. خديجة الوفاء والاحتواء.. فكان لنا الشرف أن نشارك بلمساتنا وبسماتنا ووقفتنا ودعائنا في بناء ذاك الصرح الشامخ ولو بذرة نية وفرح. وفي تلك الليلة المباركة صليت بهم جماعة صلاة المغرب.. ربما قدموني لأنني كنت ألبس برنوسا أبيض… فالشكر للبرنوس لا لحامله.. ثمّ ألقيت كلمة طيبة ترجمها الشيخ السعيد بويزري وأضاف لها بعض المُلح والنكت.. وشجعني أمامهم بقوله: لو فهمتم ما قاله لتأثرتم كثيرا ولبكيتم طويلا.
فحمدت الله أنّهم لم يبكوا لأنّ المقام مقام عرس وفرح ومرح.. لم أنبهر بالشيخ السعيد لثقافته المركزة وهدوئه واتزانه فحسب بل لحكمته وترويه وتأنيه وتغابيه وتغافله.. فقد كانت مجموعة من الشباب يلعبون الدمينو وتتعالى أصواتهم في وقت متأخر من الليل فلم ينهرهم ولم يصرخ في وجوههم بل كان يبتسم لهم ويخدمهم ويناديهم اسما اسما وصفة صفة.. ونحن كنا نضيق بهم ووددنا لو صفعناهم واحدا واحدا.. ذلك لأنّ الداعية البصير الصادق المخلص لا ينتصر لذاته ولا يهمه كسب المواقف بقدر ما يهمه كسب القلوب.. فالدعوة إلى الله حب وحكمة وقدوة وتغاب. وحدثني الشيخ الطيب الأزهري الذي كان ملازما للشيخ السعيد بأنّه كان أنموذجا للكرم والإيثار والخدمة.. ينفق مرتبه البسيط كطالب علم.. على أحبابه وزملائه.. ويكتب وصيته قبل أي سفر في الطائرة من مصر إلى الجزائر أو العكس أو أي سفر قاصد.. ولا يسأم أن يكتب فيها كلّ صغير وكبير حتى بعض الأمور التي نحسبها تافهة.. لورعه وتحريه وصدقه مع الله… وحينما اطلعت على نسخة من وصيته المتجددة كل مرة.. بكيت من تلك الحساسية الإيمانية المرهفة والدقة الجمالية الصادقة …
وبعد سنوات طويلة التقينا في حج 2019.. وسعدت بسماع محاضرة له.. قيمة هادئة هادية.. بمكة المكرمة.. وكان يتحرى فيها الدقة في ذكر أرقام الآيات كعادته في محاضراته ومواعظه.. فكان اللقاء الجميل اجتمع فيه شرف الزمان والمكان والرجال.
صدق سيدي ابن عطاء حينما قال عن أمثال الشيخ السعيد بويزري.. تسبق أنوار الحكماء أقوالهم فحيث صار التنوير وصل التعبير..
وصدق الرافعي حينما قال: الفقيه الحق منحه الله قوة تجعله روحا تتعلق الأرواح بها.. تضعه بين النّاس في موضع يكون في اعتبارهم كأنه آت من الجنة منذ قريب.. راجع إليها بعد قريب.