عين البصائر

لا تلبس ثياب الزور: (فــاللي خاطيك يعيّيك… والمكسي بشي الناس عريان)

أ. لخضر لقدي/

إنما تنجح الدعوات بالإخلاص والتجرد وإدراك سمو الدعوة والفهم ونظافة الضمير والتفكير ونظافة اللسان والثوب، والبدن، والمطعم، والمشرب، والمظهر، والتعامل، وفي الحديث: إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ، وَلَا التَّفَحُّشَ.
ومن تأمل دعوة الأنبياء عليهم السلام لاحظ شعار التجرد المتكرر: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وكيف ينجح ويفلح من فقد إدراكه لسمو الدعوة، وفقد التجرد لها ،ولم يخرج من أنانيته وذاتيته إلى ذاتية الدعوة ومصلحتها، ومن جميل العبارات والمعاني التي جاءت في رسائل الإمام البنا رحمه الله قوله: «إن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي، فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق».
وظاهرة الطمع فيما بأيدي الناس ظاهرة سيئة جديرة بالاهتمام، حرِيٌّ وجدير بالمصلحين دراستها وبيان التوجيه الصحيح فيها، وحرِيٌّ بالمجتمع المسلم عامة التعاون للقضاء عليها والحد من انتشارها.
فقد أصبحت محل همز ولمز وتندُّر، فصاروا فاكهة المجالس، تلوك أعراضهم الألسنة، ويتحدث الصغير والكبير والذكر والأنثى عن طمعهم وجشعهم، ففقد ثقته فيهم، وزهد في كلامهم، وما أكثر الكلام وما أقل الالتزام.
عادات سيئة وتوجهات مريضة:
وقد ذمّ الإسلام الجشع والطمع، وأجاز للمسلم أن يأخذ ما جاءه من مال إذا كان غير مشرف ولا سائل.
وفي التوجيه النبوي: إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ… مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ، فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ…وكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ.
والجشع أسوأ من الحرص، أما الطَّمع فهو الرَّغبة الشّديدَة للحصولِ على الشّيء والرغبة الجامحة لامتلاك المال، والرغبة فيه رغبة شديدة وخاصة عندما يكون بأيدي الآخرين وهو عكس الرضا والقناعة.
أما إِشرافُ النّفسِ فهو التّعرُض والتطلّعُ للشّيءِ والحرص عليهِ ،ويكون بالقلبِ يتطلّع إِلى ما عند الناس ثم تأتي باقي الجوارح لتوضح وتفضح.
ميزان الشريعة:
قال العلماء: من لم يقطع الطمع من الخلق لم يقدر على الحسبة (أي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وقال علماء التربية: إذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحبب إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة له بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والأنبياء والرسل قدوة للصالحين من الدعاة والأئمة والقراء، أمرهم ربهم بتبليغ الدعوة فقاموا بالأمر أحسن قيام، ومع ذلك كانوا يعملون بأيديهم، ويكسبون أرزاقهم من عملهم، فقد كان داود عليه السلام كان يأكل من كسب يديه، ويصنع الدروع؛ وأشار القرآن إلى أن نوحا عليه السلام كان يعمل في النِّجارة وصناعة السفن، وبنى إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل البيت ورفعا القواعد.
وعمِل سيدنا موسى عليه السلام أجيرا عند الرجل الصالح ،وعمل زكريا عليه السلام في النجارة والخشب؛ وكان خاتمهم وخيرهم يقول مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ:نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ.
ولكنهم عليهم الصلاة والسلام جميعا كان شعارهم: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَيْ لَا طَمَعَ لِي في مالكم.
والإمام شأنه شأن العالم والداعية والقارئ عليه أن يتحلى بأخلاق الإسلام من التقوى والعفاف والتعفف والصبر، وأن يتخذ لنفسه مهنة تضمن له دخلا يترفع به على الناس ويكون به عزيزا مكرما لا يذل لغني ولا يستحي من مليء، ولا يجتهد في تحسين حفظه وصوته لكي يقبل عليه الناس، وليكن شعاره مرضاة رب العالمين وخدمة هذا الدين.
ولن تنجح الدعوة إلى الله إلا بالإخلاص والتجرد والفهم والعمل الدؤوب والتضحية والثبات ونظافة القلب واللسان والجوارح
ونحن في زمن المظاهر الخداعة والأقنعة الملونة، زمن الافتخار والتملق والكذب والتزوير، وهذه هي ثياب الزور والرياء التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ. البخاري.
فالمرأة تريد غيظ ضرتها فتدعي كذبا أن زوجها أعطاها، والرجل يلبس ثياب أهل الزهد والعبادة والورع ومقصوده أن يظهر للناس أنه عابد خاشع…
والثوب كما يراد به حقيقة اللباس يراد به الصّفات المحمودة والمذمومة….والمكسي بشي الناس عريان.
واللي ليك ليك… والشي لي خاطيك يعيّيك.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com