الحــــياة الذكــــية
أ. / أمال السائحي/
القليل منا من يجعل لحياته هدفا واضحا، منظما، مضبوطا بمنهجية وتخطيط مستقبلي لما يريده من كسب في حياته اليومية، والمستقبلية وبعبارة أدق يجعل حياته منظمة بطريقة يرى من خلالها الأفق البعيد الذي يجعل منه أكثر التزاما وأكثر دقة في تنظيم وقته، وعمله، وسلوكياته، كثير من الناس اعتاد أن تكون حياته خالية من الالتزامات، والضوابط، وبعبارة أدق ـ غير منظمة، بحجة أن العمل المنظم ـ وهو نوع من الأعمال الجادة ـ وهو بذلك يكون شاقيا ومرهقا ويجعله غير قادر على الالتزام طوال الوقت، كما يصاب العديد من الناس بالإحباط عندما لا يجدون الطريق الذي يقودهم إلى مستقبل واعد، والمشكلة أن هؤلاء مع أن الرغبة موجودة لديهم، إلاّ أنهم بكل بساطة لا يعرفون كيف ومن أين يبدؤون طريقهم، لذلك أغلبهم يشعر بالضياع، وكلما بدأ في أمر توقف في منتصفه، وذلك لأنه لم يخطط لعمله ذلك، فافتقد ميزة التخطيط والتنظيم في الحياة، ولذا تراه يخبط خبط عشواء وتذهب جهوده أدراج الرياح، دون أن يحقق نتيجة محمودة…
يعرف العلماء التخطيط بأنه «التدبير الذي يرمي إلى مواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفاً لتحقيق أهداف محددة»، ويعد التخطيط من أهم وظائف الإدارة العامة، وهو الفكرة التمهيدية السابقة لتنفيذ أي عمل من الأعمال. ومن خلال التخطيط يستطيع الإنسان تحديد الهدف المنشود والوسائل الكفيلة بتحقيقه بأقل تكلفة ممكنة وفي الوقت المناسب، وأن العمل بدون خطة يصبح ضربًا من العبث وضياع الوقت سدى، إذ تعم الفوضى والارتجالية، ويصبح الوصول إلى الهدف بعيد المنال.
وتبرز أهمية التخطيط أيضًا في توقعاته للمستقبل، وما قد يحمله من مفاجآت وتقلبات، حيث أن الأهداف التي يراد الوصول إليها هي أهداف مستقبلية، أي أن تحقيقها يتم خلال فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر، مما يفرض على المخطط عمل الافتراضات اللازمة لما قد يكون عليه هذا المستقبل، وتكوين فكرة عن ما سيكون عليه الوضع عند البدء في تنفيذ الأهداف، وخلال مراحل التنفيذ المختلفة.
إذن التخطيط الممنهج هو عنصر هام من مكونات حياتنا اليومية والمستقبلية، حتى بالنسبة للأم الماكثة في البيت، حيث أنها وهي تدير بيتها من المطبخ إلى غرفة الجلوس، لا غنى لها عن اللجوء إلى التخطيط حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، وإنجاز أعمالها في الوقت المناسب، بمعنى أن أهمية التخطيط كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، إذ يحدّد مسار حياة الإنسان عموماً ويعتبر العنصر الأساسي للنجاح في أيّ مجال من مجالات الحياة، وهو تنظيم للذات وللفكر في المقام الأول، وإدارة للأولويات وترتيب للخطوات التي نرغب في تنفيذها من أجل الوصول إلى أهدافنا وغاياتنا وأحلامنا. وما من شك في أن لكل عائلة أهدافاً وأحلاماً وتطلعات مستقبلية تسعى للوصول إليها، فالتخطيط العائلي يساعد الأسرة على الوصول إلى تلك الأهداف وبالطرق المبرمجة والسليمة.
فالحياة الذكية، هي الحياة المتوازنة في جميع جوانبها، وكذا الأسرة الذكية، هي الأسرة المتوازنة في جميع جوانبها، ونقصد بجوانبها ـ الجانب الإيماني، الجانب الصحي، الجانب التربوي والجانب التعليمي، والجانب الثقافي، والجانب الأسري، و الجانب المالي، فمن خلال هذه الجوانب الرئيسة، تقوم الأسرة بوضع الأهداف المطلوب تحقيقها، وهو ما يعرف بالرؤية الممكن تحقيقها خلال فترة معينة من الزمن.
قد تكون خطوتنا الأولى تنفيذا لخطوات أهم في المستقبل، بل تدفعنا إلى النمو والتطور المستمرين؛ لذا علينا أن نعي بدقة تامة ما هي خطواتنا التي يمكن الارتكاز عليها في أول التخطيط، وما هي الخطوات التي تليها، وهكذا حتى يصبح لدينا برنامجا مسطرا، واضحا يفيدنا ويفيد غيرنا….
إن من أهم ما يميز التخطيط أنه يفرض علينا:
– تحديد الأهداف وتعيينها.
– ترتيبها وفقا لأهميتها وبحسب قابليتها للتنفيذ.
– توزيع الجهد وتنظيم العمل بحسب ما يتطلّبُه كل هدف.
– يسمح لنا عند التنفيذ أن نتدرج من السهل إلى الصعب فالأصعب وهكذا…
– يساعدنا على ضبط الوقت والتحكم فيه.
– يمكننا من معرفة الوسائل والأدوات المطلوبة.
– يمكننا من معرفة ما نقدر على إنجازه بأنفسنا وما نحتاج فيه إلى الاستعانة بالغير.
– يضمن لنا أن تثمر جهودنا وأن لا تضيع هباء …
فالتخطيط إذن من الأهمية بمكان ولا غنى لأي كان عنه لأنه أهم ما يستعان به على حسن استغلال الوقت واستثماره فيما يعود علينا بالفوائد والنفع العظيم، أي أنه وسيلتنا الأهم للاستفادة من حياتنا وتسخيرها لتحقيق ما نصبوا إليه من أهداف وتسجيل بصمتنا عليها ونقش أثرنا فيها، أليس في ذلك ما يكفي لاعتماده والتعويل عليه …؟