العقوق بين الصريح منه والخفي../أمال السائحي

كثيرا ما نسمع عن عقوق الوالدين، أو “العقوق الصامت”، الذي جرع الأسرة غصة وألما وتعبا…وملأ قلب الأبوين حسرة على ضياع ما قدموه من جهد وتعب لتربية أطفالهم، وكيف لا وهم قد باتوا يقضون لهم طلباتهم اليومية، من شراء حاجيات البيت، ومن أمور أخرى تخص البيت في التنظيف أو الترتيب، إلى غير ذلك من متطلبات الحياة.
قد أستغرب من قول قائل:” يؤلمني جداً منظر أم تجاوزت الأربعين أو الخمسين أو الستين، وهي تعكف على خدمة ابنتها العشرينية، موفورة الصحة والعافية أو خدمة حفدتها الصغار…يؤلمني جداً أن أرى أباً تجاوز الأربعين أو الخمسين أو الستين، يحمل ما يحمل من آلام المفاصل والظهر، يخدم ابنه الشاب العشريني أو الثلاثيني، الذي لا يفتأ يزمجر ويطالب بحقوقه، وأبوه هو من يقوم بشراء مقاضي البيت بدلاً عنه… بينما هو منصرف إلى لهوه، أو غارق في أحلام اليقظة وهو يشاهد التلفاز، نعم هذه الأمور كلها أصبحت ظاهرة وبات ذلك السلوك سلوكا جاريا مألوفا ومعتادا، لا يثير تعجبا، ولا يستوجب استنكارا، إنها الأنانية البغيضة…
ولكننا إذا عدنا أدراجنا إلى النقطة الفاصلة وأعني بها نقطة البداية، وهي التي ترتكز عليها طريقة التربية في الصغر، نجد أن ذلك الأب أو تلك الأم، لم يستوعبا جيدا قيمة تلك اللحظات …ولم يحسنوا توظيفها في تعويد أبنائهم على تحمل المسؤولية، والقيام بالواجب، فانطبق عليهما المثل العربي الجاري: ” يداكا أوكتا و فوك نفخ” فهما اليوم يدفعون ضريبة التفريط بالأمس في القيام بواجبهما، حيث لم تكن تربيتهم لأبنائهم في حمل المسؤولية في المستوى المطلوب …فهم جزء من المشكلة التي يعانون منها اليوم.
يقول الدكتور جاسم المطوع الخبير في التربية الأسرية في مقالة له تحت عنوان: («9» أساليب تعلم ابنك تحمل المسؤولية) يقول:” فبعضهم يبدأ من عمر سبع سنوات وبعضهم يبدأ من سن المراهقة والصواب أن يبدأ من عمر ثلاث سنوات، فهذا هو العمر المناسب لتعلم تحمل المسؤولية لأنه سن التعويد والتدريب للطفل، فلو علمناه حمل حذائه ووضعه في مكان مخصص فإنه سيتحمل مسؤولية حذائه كل يوم، ولو علمناه ترتيب غرفته فإنه سيتحمل مسؤوليتها كذلك، وبعض الآباء يظنون أن من محبتهم لأبنائهم أنهم يتحملون كل مسؤولياتهم، ولا يعلمون أنهم بهذا التصرف يفسدونهم ولا يربونهم”.
ويضيف قائلا:” فعندما يتحمل الطفل مسؤولية نفسه وإخوانه وأهله والمجتمع، فإنه سيكون مبادرا ومعينا وكريما ومستقيما، وعندما يلغي أي اعتبار للناس أو للمجتمع أو للخالق، فإنه يتصرف بطريقة أنانية وسلبية، لأنه لا يهمه إلا نفسه فلا يتحمل أي مسؤولية.
اذن القضية اليوم هي تصحيح المفاهيم فيما يخص تربيتنا لأبنائنا، هم أمل هذه الأمة، فإذا كانوا فاقدين لهذه المعايير الحميدة، فماذا عسانا ننتظر منهم…
ولنتذكر دائماً أن آيات البر بالوالدين جاءت عامة ثم مخصصة للوالدين عند كبر سنهما، لما يحدث لهما من ضعف وتغيرات نفسية وجسدية، لا يمكن أن يستوعبها الشباب غالباً، لذلك جاء التذكير.
قال تعالى: ((إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً)).