ومضات من حياة الأستاذ المجاهد محمد الطاهر عزوي / الـمدافــع عن الثوابـــــت الوطنيــــة وتاريـــخ الثـــــــــورة
أ / الأخضر رحموني/
عندما نشرت مؤخرا مقالة حول الأستاذ محمد الطاهر فضلاء في ذكرى وفاته، شكرني أحد الزملاء وأضاف قائلا: إن العنوان الذي اخترته لمقالك مناسب أيضا ليكون موضوعا عن المرحوم الأستاذ محمد الطاهر عزوي .فاعتبرت كلامه دعوة مشفرة منه للكتابة وتذكير شباب اليوم بهذا المجاهد المثقف الأصيل، والأنيق دوما بلباسه و فكره، المدافع بشراسة عن المقومات الأساسية للأمة و رجالاتها، لا يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم، ويكون عنيدا في بعض الأوقات كجبال الأوراس الأشم الذي تربى و عاش في سفوحه بشموخ وكبرياء وهو المجاهد الذي عذب من طرف الاستعمار الفرنسي وزجَّ به في السجن، وتنقل بين المعتقلات والمحتشدات مع بعض أفراد عائلته، لكنه لم يستسلم للخنوع داخلها، بل قام بتكوين المجاهدين من السجناء إلى غاية سنة 1961. فحق له أن يكتب عن تاريخ الثورة التحريرية ورجالها الأماجد وشهدائها الأبرار، وفي مقدمتهم الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد الذي أفرد له مجلدا خاصا بحياته ومعاركه في الثورة التحريرية بمساعدة رفيق دربه في الجهاد والبحث التاريخي والكتابة المرحوم محمود الواعي. فعد من بين الأقلام التي ساهمت في كتابة تاريخ الجزائر المعاصر، وخصوصا تاريخ منطقة الأوراس حفاظا على الذاكرة الجماعية للثورة الجزائرية.
كما عرفته:
عرفت المرحوم محمد الطاهر عزوي خلال الملتقيات التاريخية والندوات الفكرية التي كانت تقام بولاية بسكرة مثل ملتقى الشيخ الطيب العقبي، وندوات المركز الثقافي الإسلامي تحت إدارة الأستاذ الطاهر طلحي، وفي ملتقى مؤسسة الأمير عبد القادر، وفي الأيام التحسيسية التي تقيمها نظارة الشؤون الدينية، أو الأيام الثقافية للفتوحات الإسلامية بالمغرب العربي المنظمة من طرف مديرية الثقافة بمدينة سيدي عقبة ،فعرفت فيه الرجل المشبع بالوطنية المخلصة، والمتمسك بالمقومات الأساسية للشخصية الوطنية و هويتنا، خاصة دفاعه المستميت عن اللغة العربية والدين الإسلامي والوحدة الترابية.
آلام ومحن:
كان الأستاذ محمد الطاهر عزوي يتألم في صمت عندما يرى عدم الاهتمام بالثوابت في المؤسسات الرسمية التي يتحكم في دواليبها وقرارها السياسي الفرانكوفونيون والاستئصاليون، حتى أنه اعتبر نشر الإذاعات المحلية في الولايات والتي تستنزف خزينة الدولة بموظفيها، تمزيقا للوحدة الثقافية وإحياء للعرقية والجهوية. وكان يحزن أكثر عندما يرى طوابير الشباب أمام السفارات الأجنبية طلبا للتأشيرة والسلطات المعنية تتفرج، وكأنها تريد أن تستريح من هذه الفئة ومطالبها في السكن والشغل.
كان يفضح بعناد هذه السلوكات السلبية التي جلبت له بعض المضايقات والمتاعب للانتقام من مواقفه الشجاعة خاصة في بداية الأزمة الوطنية.
مواقف مشهودة:
ولروحه المتشبعة بالوطنية والدين كان في مقدمة قائمة المجاهدين والمثقفين ومنهم العقيد عبيد الحاج لخضر ومحمود الواعي ومختار فيلالي الموقعين على العريضة المرسلة الى رئاسة الجمهورية لتوقيف الملتقى الذي كان الدكتور رابح بلعيد ينوي عقده بعاصمة الأوراس حول شخصية مصالي الحاج وأفكاره بحضور جماعة المصاليين، لأنّه رأى هذا اللقاء المقصود بعاصمة الثورة تشويها لعهد الشهداء.
كما كان من الرافضين لعقد تجمع بمدينة باتنة لدعاة الأمازيغية مع غيره من المثقفين، لأنه يؤمن أن الجزائر كتلة واحدة ثابتة، متناغمة مع تاريخها النضالي الضارب في أعماق الزمن، ويرفض بقوة محاولة إبعاد الجزائر عن محيطها العربي والإسلامي.
موسوعة (شهداء منطقة الأوراس):
ثم تعرفت عنه عن قرب وجالسته بمنزل المجاهد محمد الوردي قصباية -رحمه الله – بحي المجاهدين بمدينة بسكرة حيث كان يأتي من مدينة باتنة متجشما أتعاب السفر رغم أمراضه، بهدف استشارته في بعض القضايا التنظيمية والمعلومات التاريخية والمسائل المادية حول كتاب: (شهداء منطقة الأوراس) الذي أصدرته جمعية رواد مسيرة الثورة وصدر منه ستة أجزاء إلى حد الساعة، وكان الفقيد يأمل مني المساهمة في الكتابة عن بعض الشهداء من الجهة، خصوصا شهداء عرش بني ملكم الذي انتمي إليه، لكن ظروف العمل حالت دون تحقيق هذا الوعد الغالي، أو عندما يأتي بكمية من مجلد الكتاب بعد طبعه في حلة أنيقة من أجل توزيعه على السلطات الولائية المساهمة في إنجازه، بالإضافة إلى المجاهدين وأبناء الشهداء والمهتمين بولاية بسكرة خدمة للثقافة الوطنية والتعريف بأبطال الجزائر الخالدين، حيث تقام جلسة تاريخية بقاعة الفكر والأدب لدار الثقافة لتوزيعه بالتنسيق مع جمعية أول نوفمبرلولاية بسكرة برئاسة المجاهد محمد الشريف عبد السلام، وفي كل طبعة كان يكرمني بإهداء نسخة من هذا العمل القيم والمفيد للطلبة والباحثين.
كما كان للأستاذ محمد الطاهر عزوي شرف المشاركة والإشراف على جمع وتصحيح وتبويب وتنظيم وطبع ما أنتجته جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في الأوراس التي تأسست سنة 1988 دون نسيان دوره الاجتماعي، فقد كان يعتبر من بين أعيان منطقة الأوراس، وله حضوره المتميز في معالجة المشاكل الاجتماعية، وإصلاح ذات البين بين الفرقاء.
امتاز بالتواضع والبساطة، فقد نبهني مرة بعدما اطلع على دراستي حول الشيخ مولود الزريبي التي نشرت في ثلاث حلقات بجريدة –البصائر– وكنت أشرت فيها إلى اسمه، أنه ليس دكتورا، بل هو أستاذ فقط .تاركا الألقاب التي يفتخر بها البعض ممن يرصعون أسماءهم بألقاب الدكتور أو الباحث في التاريخ أو الأديب.
وفاتــــه
وعندما فجعت الجزائر بأفول نجمه زوال يوم الأربعاء 02 أوت 2006 إثر حادث مرور مؤلم قرب مقر بلدية محطة عمار من ولاية البويرة بعد عودته من الجزائر العاصمة رفقة المرحوم الأستاذ داود خليفة الذي جاء من كندا في زيارة خاطفة للجزائر، وقد نقل مباشرة إلى مستشفى زميرلي بالحراش، إلاّ أنّه لفظ أنفاسه قبل الوصول به للمستشفى، وتم تشييع جنازته يوم الجمعة 04 أوت 2006 بعد صلاة العصر بمقبرة بوزوران بمدينة باتنة في موكب مهيب، حضره عدد كبير من المجاهدين والمثقفين والمسؤولين والطلبة المهتمين بالتاريخ قدموا من أغلب ولايات الشرق الجزائر، كتبت عنه كلمة نشرت يومها بجريدة –الشروق اليومي – .
قالوا عنه:
كما كتب تذكره زميله في التدريس بثانوية المقراني بالعاصمة، والمساهم معه في تعريب مادة الجغرافية في خطواتها الأولى رغم كل الصعوبات والتحديات، المرحوم الدكتور محمد الصغير غانم بمقال نشر على ثلاث حلقات بجريدة –البصائر- وقال عن الفقيد (كان طاهرا فعلا عفيف النفس، وصادقا في تعامله مع الآخرين، يجل عمله حتى ولو كلفه أتعابا كثيرة، يحب وطنه ويتفانى في التمسك بعقيدته الإسلامية، كما أنه كان عصاميا في ميدان تحصيل العلم و الثقافة الهادفة، متفتحا على محيطه الاجتماعي… كان محمد الطاهر نصوحا ،دمث الأخلاق، لين المعاشرة مع كل الذين عرفوه، لا سيما مع أولئك الذين كانوا يحملون نفس المبادئ التي عاش يناضل من أجلها).
كما كتب عن جوانب من حياته ابن أخيه الدكتور عبد الحميد عزوي الذي غادرنا منذ أيام متأثرا بوباء كورونا –رحمة الله عليهم -.
في حفل تكريم الشيخ شيبان:
وكانت آخر نشاطاته الثقافية المشاركة في الندوة التاريخية التكريمية لسماحة الشيخ عبد الرحمان شيبان –الرئيس الخامس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين – مع تلميذيّ الإمام عبد الحميد بن باديس الشيخين عمر دردور والصديق ميهوبي التي نظمت يوم 04 جويلية 2006 في مدينة باتنة، وقد رحل الأستاذ عزوي وحلقات دراسته الموسومة (التعريف برؤساء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)التي ألقيت بالمناسبة تنشر على صفحات جريدةـ البصائر- وقد صدرت حلقتها الأولى بالعدد رقم297 بتاريخ 17/07/2006، والحلقة الرابعة والأخيرة صدرت بعد وفاته بالعدد رقم 300 بتاريخ 07/08/2006.
عندما يتذكره الـمخلصون
وبمناسبة الذكرى الثانية لوفاته، حضرت الجلسة التأبينية التي أقامتها جمعية رواد مسيرة الثورة برئاسة المجاهد صالح عزوي بالمركب الثقافي والتاريخي في دشرة أولاد.
موسى التي انطلقت منها الأفواج الأولى المفجرة لثورة أول نوفمبر 1954 المباركة، وحضرها جمع غفير من أصدقائه وتلاميذه وإطارات من مديرتي التربية والشؤون الدينية مع أفراد عائلته، حيث ألقيت كلمات تشيد بمواقفه وأعماله الجليلة، وتدعو إلى المحافظة على تراثه الفكري والثقافي، ومواصلة مسيرته في مجال كتابة تاريخ الثورة ورموزها.
محطات من حياتــه
الأستاذ محمد الطاهر عزوي من مواليد 08 أكتوبر 1929 بدوار إيشمول حوز أريس من ولاية باتنة.
حفظ القرآن الكريم في قريته الحجاج على يد الشيخ السعيد زموري. وتلقى العلوم الشرعية والعربية بقرية الحجاج على يد الشيخ محمد الدراجي ميهوبي من سنة 1949 الى سنة 1951.
وفي مشونش من ولاية بسكرة على يد الشيخ أحمد السرحاني من سنة 1950 إلى سنة 1951.
أواخر سنة 1951 بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة لمزاولة دراسته المتوسطية، ومن أساتذته به الشيخ عبد الرحمان شيبان.
ألقي عليه القبض في مدينة أريس في مارس 1955 بتهمة الانتماء للثورة المسلحة، لأنه كان عضوا بحزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية منذ عام 1948 ومسؤول خلية مسقط رأسه الحجاج، وقد مكث في السجن نحو أربعين يوما.
نقل بعدها مع أفراد من عائلته منهم والده سي الصادق وأخيه يحيى وابن عمه الصالح إلى المعتقلات (شلال بجنوب مدينة المسيلة، الجرف شرق مدينة المسيلة، بوسوي جنوب مدينة سيدي بلعباس، سيدي الشحمي جنوب شرق مدينة وهران، أركول شرق مدينة وهران، لودي غرب مدينة وهران) إلى سنة 1961 ،حيث فرضت عليه الإقامة الإجبارية في الأوراس، بعدها تم نفيه إلى العاصمة، وأقام عند زميله في النضال المهندس المعماري عبد الرحمان بوشامة إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية.
في سنة 1962 نجح في مسابقة الدخول إلى معهد الدراسات العربية بجامعة الجزائر، فالتحق به، ومنه تخرج سنة 1967 في الأدب والتاريخ والجغرافية وعلم النفس حسب المنهج التربوي المتبع في ذلك الوقت.
في سنة 1967 عين أستاذا لمادة التاريخ في ثانوية المقراني بابن عكنون.
وفي 14/09/ 1974 عاد اإلى باتنة ليعين مديرا على المعهد الإسلامي، وساهم في فتح فروع له بالولاية.
وبعد إدماج التعليم الأصلي بالتعليم العام، عين مديرا لثانوية صلاح الدين الأيوبي بمدينة باتنة إلى تاريخ تقاعده في 30/09/ 1990.
تفرغ بعدها للبحث والكتابة التاريخية الجادة، والمشاركة في ملتقيات الفكر الإسلامي والملتقيات التاريخية خاصة بالشرق الجزائري محاضرا ومعقبا.
فخدم الثقافة العربية والإسلامية بمحاضراته في أغلب ملتقيات الفكر الإسلامي التي نظمتها وزارة الشؤون الدينية، أو مشاركته في الملتقيات التاريخية التي نظمتها وزارة المجاهدين.
مؤلفاته:
أصدر الأستاذ محمد الطاهر غزوي كتابين هما:
1ـ ذكريات المعتقلين: تصور الوحشية الفرنسية والحقد الصليبي في المعتقلات الجزائرية من 1954 إلى 1962/ صدر سنة 1993 عن المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، وكتب تصديره الدكتور أبي القاسم سعد الله.
2ـ الغزو الثقافي والفكري للعالم الإسلامي/ صدر سنة 1997 عن دار الهدى بعين مليلة.
إضافة الى مجموعة من المقالات المنشورة في الصحف الوطنية.
نشاطه في الجمعيات:
كان عضوا نشطا ومؤسسا في عدة جمعيات ثقافية وتاريخية منها:
1- جمعية التاريخ والتراث الأثري لمنطقة الأوراس، وكان نائبا لرئيسها المرحوم الدكتور مختار فيلالي.
2- عضو تحرير مجلة –التراث – للجمعية من سنة 1985 اإلى سنة 2006.
3- الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة.
4- جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في الأوراس برئاسة المرحوم المجاهد محمود الواعي.
5- جمعية رواد مسيرة الثورة في الأوراس برئاسة المجاهد صالح عزوي.
6- عضو مؤسسة الأمير عبد القادر فرع باتنة.
7- عضو المجلس الوطني للاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية.