في رحاب الشريعة

آية المنافق.. وزيادة مسلم على البخاري(2)/ محمد عبد النبي

 

ذكرنا أن حديث”آية المنافق ثلاث..” اتفق على إخراجه كل من البخاري ومسلم، وانفرد مسلم بإخراج زيادة:”…وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم”. ومن خلال النظر في إسناد هذه الزيادة تبيّن أنها لا ترقى إلى شرط الإمام البخاري، وهو السبب في تفسير صنيع الإمام البخاري، في عدم إخراجه لبعض الأحاديث، التي أخرجها مسلم، فشرطه في الرجال أشدّ، وحتى مسلم قد قوّى الزيادة التي أخرجها بمتابع آخر أصحّ وأقوى، ما يؤكِّد بأنه على علم بجَرحٍ ثابت فيمن رواها، غير أني أبحث عن ملمح آخر مفترض، فيما يمكن تسميته بفلسفة الإخراج عند البخاري رحمه الله.

البخاري و مسلم يتفقان على إخراج حديث”آية المنافق ثلاث..” وعلى إخراج حديث”أربع من ّكنّ فيه…” و يتفقان على إخراج حديث”من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة…وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر.” !  البخاري (8/94) ومسلم(2/688)

و يختلفان في زيادة”و إن صام و صلى، و زعم أنه مسلم” فيخرجها مسلم، و يُعرض عنها البخاري.

الذي أزعمه أن البخاري تحاشى إخراجها حتى يتجنّب ما قد ينطبع في الذهن من تعارض أو تناقض، بين عبارة:”و إن زنى و إن سرق و إن شرب الخمر” و عبارة “إن صام و صلى، و زعم أنه مسلم.”

ففي العبارة الأولى: يدخل الجنة مَن لم يشرك بالله، و إن زنى و إن سرق، و إن شرب الخمر، و في العبارة الثانية يوصف بالنفاق، و إن صلى و صام، و زعم أنه مسلم ! أي إن زعمه الإسلام لا ينفعه، و صلاته و صيامه لا ينفعانه ! و بخاصة إذا علمنا بأن معظم الشرّاح يقولون بأن حديث النفاق ليس على ظاهره، و أن النفاق هنا نفاق عملي، و ليس اعتقاديا، بل إن منهم من ذهب إلى عدم انطباق هذه الأحاديث أصلا على المسلمين، و إنما هي خاصّة بمنافقي المدينة في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم ! وحينئذ تكون الصورة الكلية عند الإمام مسلم: مسلمٌ يدخل الجنة، و إن زنى و إن سرق، و إن شرب الخمر، وآخر لا يدخلها وإن صلى وصام؟ !

و مما يرجِّح لي هذا الملمح لدى الإمام البخاري أنه لم يخرج زيادة “وإن صلى وصام، وزعم أنه مسلم” في كتاب “الأدب المفرد” أيضا، حتى يتجنّب الأمر المشار إليه، لأنه ذكر فيه الأحاديث كلها أيضا، ومن المعروف أن شرطه في كتاب الأدب المفرد ليس كشرطه في الصحيح، فلو اقتصر الأمر على الشرط الإسنادي فقط لأمكن أن يخرج الزيادة في “الأدب المفرد” ولم يفعل، للملمح المقاصدي المشار إليه، بالرغم من أن طريق “حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند” في المتابعة المُشار إليها حَكم عليها أكثر من واحد بالصحة، فقد أخرجها مسلم-كما سبق، وأخرجها ابن حبان في صحيحه(1/490) وأحمد في المسند(15/81-82)- وصحّح إسنادها الأرناؤوط- وصحّحها الذهبي في سير أعلام النبلاء(4/220)  وذكرها في الألباني في التعليقات الحسان(1/316) وحسّنها.

وإذا علمنا-كذلك- بأن البخاري قد أخرج في”الأدب المفرد”(421) حديثا ضعيفا لأبي زكير- راوي الزيادة عند مسلم، وهو من الأحاديث الأربعة غير المستقيمة، التي أوردها له ابن عدي في الكامل(9/105)-: ترجّح لديّ-لحدّ الآن على الأقل- التحليل الذي ذهبتُ إليه، و الله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com