الإنسان إزاء هذه الحياة/ محمد الصالح الصديق

انتهى حفل أقيم بقرية “إيسكرين” في يوم 20 أوت 2013م، وذلك بمناسبة إقامة النصب التذكاري لشهيدين من شهداء هذه القرية، هما: مراد ديدوش والرائد سي عبد الله – رحمهما الله تعالى- واستضافنا في بيته أحد أبناء هذه القرية، وكان يحب العلم والعلماء، ويحرص على التعليم، والاقتداء بالعلماء والأخذ منهم.
وكان من بين المدعوين إمام بإحدى القرى المجاورة، كان مجاهدا بالسلاح خلال الثورة، وهو الآن مجاهد في محراب المسجد يؤم الناس ويعلمهم، ويجمع ميولهم على الهدى وكلمتهم على الحق.
– سألني هذا الإمام: كيف تتراءى لك الحياة؟
– فقلت له: تتراءى لي كما وصفها خالقها في الكتاب المنزل:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[الحديد: 20].
ولما تلوتها طلب مني أن أتحدث فيها ولو بكلمة وجيزة، وقال إن الفرصة لا تواتينا كل وقت، والحكمة أن نستغلها أنا وأنت.
– فقلت له: إن الغاية من هذه الآية الكريمة تحقير حال الدنيا حتى لا يغتر بها الإنسان..! لأنها في الواقع جسر إلى الآخرة، ومزرعة للغرس والزرع، أما أن ينشغل الإنسان بمفاتنها ومغرياتها، وينسى أن الحياة الدنيا ممر فقط إلى الآخرة، فذلك هو الضلال البعيد، والخسران المبين.
فهذه الحياة ليست إلا لهو ولعب وزينة وتفاخر، وتكاثر، وأما الآخرة التي هي النهاية والمصير، فهي إما عذاب شديد، أو نعيم مقيم؟ فالإنسان هو الذي يختار؛ أي المصير يشاء.
ولا دخل لأحد أيا كان في هذا التقرير وهذا الاختيار، فمن أقبل عليها، وانشغل بها، وأعرض بها عن الآخرة ضل وخسر الآخرة، وأما إذا اتخذها وسيلة، واستثمر منافعها بعقل وحكمة فنِعمَ الوسيلة، وطاب المصير.
فمن أدرك مكانته بين المخلوقات في هذه الحياة الدنيا، وعلم أنه خليفة الله في أرضه، وصرف هذه الحياة إلى طاعة الله تعالى، وحقق خلافته له في تنفيذ أوامره ومشيئته فهذا محمود، وحياته نعمة، ومصيره بعد موته نعيم مقيم.
أما من صرف حياته لطاعة الشيطان، واتبع هواه، فهذا مذموم وحياته بؤس وشقاء، وإن ظن أنه كان في حياة النعيم.
فلولا أن الله تعالى أخبرنا في القرآن عن الشيطان وأنه عدو الإنسان: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: 6].
وأنه في عداوته للإنسان وراءه بكل سلاح، وبكل كيد، وبكل محاولة حتى يوقعه في شركه -لقلت ليس هناك إلا نفس الإنسان الأمارة التي تنزع بقوة وجشاعة إلى الملهيات والمغريات، فإن أطاعها الإنسان وانقاد لها هوت به إلى الحضيض، وجعلته يميل إلى الفسوق والفجور، وإن هو جاهدها وانتصر عليها كانت حياته أمنا وصلاحا.