هل الفلاحة مركز الإقلاع الاقتصادي؟/ عمار طالبي
هذا موسم الزراعة والعمل، فالأرض في شوق إلى أن تخدم وتسقى وتزرع ويبذل الفلاحون الجادون جهدهم، فإن العمل في الفلاحة هو الذي ينتج الخيرات والثمرات والحبوب غذاء الإنسان.
والغيث هذه الأيام أخذ ينصب ليحيي الأرض بعد موتها، ويسقيها بعد جفافها وعطشها نعمة من الله وفضلا، فأين عملك وجهدك أيها الفلاح؟ فإن العمل مصدر الخير، ووسيلة توفير الثمرات.
أين غرس الشجر الذي حث عليه الإسلام ولو عند قيام الساعة فلا يتوقف الإنسان عن غرس فسيلة كانت في يده؟
وأين تطوع المجتمع لغرس الشجر زينة وبهجة للبلاد والعباد؟ يا ليت المتطوعون الغيورون على وطنهم يعون هذا ليكون زينة البلدان، وبهجة للناظرين من المواطنين والسائحين.
إن الإقلاع الاقتصادي كما يقول أهل الاقتصاد يقوم على استثمار الطاقة الاجتماعية وحركتها الفعالة أكثر مما يقوم على المال والقروض البنكية.
وقاعدة الاقتصاد والاستثمار: القيام بالواجب قبل طلب الحقوق، وبلغة الاقتصاد الإنتاج قبل الاستهلاك، فما لم نعمل وننتج فمن أين يأتي الغذاء؟ وكيف يمكن المطالبة بالاستهلاك؟
ولذلك نجد فكرة العمل والحث عليه كثيرا ما يكررها القرآن، وتأمر بها السنة الشريفة المؤمنين الصادقين، ويد الفلاح الخشنة من العمل تكرم، وشرف صاحبها أي تشريف.
ولكن لا بد أن ننبه إلى الوسائل الحديثة، والبحث العلمي المتطور في شؤون الفلاحة والزراعة ونقول أين البحث العلمي في المدرسة العليا للفلاحة ومراكز البحث المختلفة؟ وماذا تفعل أكاديمية العلوم التي دشنت وأشرف عليها معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وكان لنا أمل فيها أي أمل؟ وكنت تحدثت مع السيد الوزير في شأن إنشاء معهد للعلوم الفلكية الذي تخلو الجامعات الجزائرية منه، وعلاقته بعالم الفلاحة لا تخفى، ووعد بأن رئيس الدولة أمر بإنشاء هذا المعهد، وليس لي علم هل خرج إلى الوجود أم ما يزال في عالم الغيب؟
قد كتبت قبل هذا عما يجري في أسبانيا جارتنا القريبة التي كانت قبل أربعين سنة متخلفة أشد التخلف، وها هي اليوم الأولى في إنتاج الزيت في عالم اليوم مثلا، وقد تطورت فيها البحوث وجودة الزراعة تطورا واضحا.
فإن غرس شجر الزيتون غمر كل أراضي أسبانيا بما في ذلك الجبال، وإذا كتب لك السفر إليها برا فسترى عجبا وأي عجب، وكلامي هذا عن مشاهدة بالعين وقطع المسافات فيها جنوبا وشمالا.
ولعل اجتماع الفلاحين الذي تم هذه الأيام يتنبه إلى ما يجب عمله في هذا الميدان المهم في وطننا.
وقد جلت في بلادنا الجزائر شرقا وغربا، شمالا وجنوبا ورأيت الأراضي الخصبة مهملة صائرة إلى البوار، بل إن متيجة ذاتها غزتها العمارات والأسمنت وما بقي مهمل في أغلبه.
آن الأوان أن نتخذ الفلاحة قاعدة للتنمية، والخروج من سجن الغاز والنفط وما يؤول إليه من النفاد والفناء.
قد فشلت محاولة الصناعة في بلادنا، فلنتجه إلى الزراعة أولا فإن الأرض حية خصبة ولا تفنى إلا يوم فناء العالم ونظامه كله.
إنها تشكو من الإهمال وقلة العمل وقلة تطوير العمل فيها لتصبح أكثر إنتاجا، وأكثر خصوبة وجودة في الإنتاج، وأرضنا والحمد لله واسعة ولود تلد كل خير.
لست متخصصا في الاقتصاد، ولكن أقول إن تربية المواشي في البلاد من البقر وغيره ينبغي أن يعتنى بها أيما عناية، نستغني بها عن استيراد اللحوم، واستيراد الحليب، ومشكلة الحليب مشكلة لابد من حلها، فإن بعض الجهات في بلادنا لا تجد تسويق ما تنتجه منه، ونحن نمتلك من المراعي وإنتاج الأعلاف والعناية بها ما يغنينا على أن نكون سوقا لإنتاج غيرنا من الدول الأخرى.
وكذلك إنتاج الأسماك، نحن نشكو من قلة توفير السمك مقارنة بجيراننا وغيرهم، وهو غذاء مهم يقينا من الأمراض وبه تسلم صحة أبنائنا وبناتنا من الأسقام، إن الصيد ما يزال متخلفا، ووسائله ووسائل تربية السمك تحتاج إلى تطوير شامل.
ولنا أمل في إتمام إنشاء سكك الخطوط الحديدية لنقل البضائع وتسويق لسد العجز الكبير في هذا المجال، وكذلك العناية ببناء السدود الصغيرة، لتوفير المياه للزراعة بالإضافة إلى استغلال بحار من المياه في صحرائنا في الزراعة.
إننا ندعو وزارة الفلاحة واتحاد الفلاحين ومراكز البحوث لتغيير هذا الوضع المتردي للزراعة وتربية المواشي والأسماك لتأمن بلادنا غذائيا وتنمو نموا لائقا بشعبها وأرضها.
وفقنا الله للعمل والتنمية المستدامة
ر