وقفات مع الآباء ونحن على أعتاب العام الدراسي…
بقلم: أمال السائحي/
هذا السؤال يعتبر من الأسئلة المركزية والجوهرية في التربية حيث أن معرفة المربي بالأنماط السلوكية التي من الممكن أن يوجهها لهذا الطفل أو ذاك، والتي يمكن لها بدورها أن تحفزه على تشربها، وامتصاص ما تتضمنه من قيم فكرية أو دينية أو أخلاقية.
على الرغم من أن كل الأسر والمدارس تقوم بالتوجيه، وتسعى إلى النهوض به في كل المجالات، غير أن النسبة المرجوة قليلة جدا، سواء على صعيد الأستاذ، أم على صعيد الأسرة، أم على صعيد الطالب وهو الثمرة المرجوة. إذا افتقر ذلك التوجيه إلى تخطيط يوفق بين استعداد وقدرات الابن أو التلميذ وبين مطالب نموه الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي.
ونحن ندرك تمام الإدراك أن الأسرة هي الخلية الأولى التي يتشبع فيها الطفل بكل ما يحتاجه من قيم ومبادئ رفيعة المبنى، وهي كذلك الأصل والعماد.
وتأتي بعد ذلك المدرسة التي فيها يأخذ التلميذ طريقه نحوه النجاح، فهل تدرك الأسرة والمدرسة معنى هذا النجاح، وما مدى حاجة الطفل إليه؟ وما الترتيبات الممكن اتخاذها، سواء في العطلة الصيفية التي لطالما ذهبت هباء، دون أن نغتنم أية فرصة فيها، فتنفلت منا دون فائدة تجنى، أو إنجاز يذكر… وذلك لأننا بددنا وقتها فيما لا طائل من ورائه، والسبب في ذلك هو أننا لم نخطط لها، ولم نوظفها لتحقيق أهداف وغايات لأنفسنا، تنضج عقولنا أو تبني أجسامنا، أو تعزز أخلاقنا، أو تسمو بأرواحنا، أو تكسبنا مهارات جديدة تفيدنا في الحياة.
وعلى الأسرة كذلك أن تساعد ابنها على تنظيم عمله المدرسي، وذلك بسهرها على توفير الجو النفسي لمراجعة دروسه وإعداد واجباته، والحرص على مراقبته وتحفيزه على العمل، والاتصال بأساتذته للتعرف على مدى تجاوبه مع متطلبات البرنامج، وتحديد المواد التي يجد صعوبة في استيعابها، حتى تعمل على توفير الدعم المناسب له فيها، إذا عرفنا كيف نعد هذه المراحل من البيت إلى المدرسة، لاستطعنا أن ننتقل بفلذات أكبادنا من مرحلة التعليم الابتدائي، إلى الإعدادي إلى الثانوي ثم الجامعة، ونكون قد غرسنا للأخلاق والعلم والدين غرسا نجني ثماره بعد حين..
فهل أعطينا للعطلة قيمتها من الفكر والوقت ووعينا دقة قيمة التخطيط في حياتنا وفق منهجية مدروسة واضحة المعالم، حتى نأتي بالثمرة المرجوة…؟ وهل ساعدنا أبناءنا على التكيف مع العمل المدرسي؟
إن الأسرة بشكل عام انفعالية في تربية أبنائها، أي أنها تغذيهم في الطفولة الأولى، ثم تسلمهم للمدرسة الابتدائية أو للتعليم الأساسي بمرحلتيه الأولى والثانية، ثم للتعليم الثانوي فالجامعي، وقلما تتابع الأسرة الإشراف على تربية أبنائها وفق خطة هادفة محكمة، فترافقهم في دراستهم وتأدية واجباتهم، وتتعاون مع المدرسة لرفع مستواهم العلمي والتربوي، وقليل من الآباء من يزور المدرسة ليتعرف على المعلمين والمدرسين والإداريين والمشرفين الذين يشرفون على التربية والتعليم.
والمطلوب أصلا أن تكون تربيتنا في الأسرة قائمة على خطة سليمة ومدروسة واضحة الأهداف والمعالم، يتولى الوالدان تنفيذها بجدية دون تواكل أو تكاسل، فأبناؤنا مستقبلنا وعدتنا، فإن فرطنا وقصرنا في تربيتهم خسرنا الكثير، ونشأ أبناؤنا على تربية لا نرتضيها لهم، وعندها يحدث الصراع المرير بين الآباء والأبناء.
ومما يعين الأسرة على تنفيذ منهجيتها هو أن تتعرف مسبقاً على كيفية تربية أبنائها في البيت، وكيف تعدهم ليخوضوا غمار الحياة وميادينها، ولابد كذلك على الأسرة أن تستنير بما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف، وأقوال علماء التربية بشأن تربية الأبناء، فثمة خطط عامة وخاصة محددة بزمن، وردت في أقوال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – منها قوله:
«مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».
وروي في الأثر: غذِ ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه».
ولابن سينا رأي مشهور في تربية الأولاد يدور حول المنهج الأولي للتربية فيقول: «ينبغي البدء بتعلم القرآن، بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسمياً وعقلياً، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء، ويلقن معالم الدين، ثم يُرَوَّى الصبي الشعر، مبتدئاً بالرجز ثم بالقصيدة، لأن رواية الرجز وحفظه أيسر، إذ إن بيوته أقصر، ووزنه أخف، على أن يختار، من الشعر ما قيل في فضل الأدب، ومدح العلم، وذم الجهل، وما حث منه على برّ الوالدين، واصطناع المعروف، وقِرى الضيف، فإذا فرغ الصبي من حفظ القرآن، وألَمَّ بأصول اللغة، نظر عندك ذلك في توجيه ما يلائم طبيعته واستعداده».