طالبان مـــن المقاومـــة إلى الدولـــة

أ. عبد القادر قلاتي/
ليست حركة طالبان إلاّ حركة تحرر وطني، مثلها مثل كلّ حركات التحرّر التي عرفها العالم، وأي وصف آخر لها فهو ظلم وجنوح عن منطق العدل، فالحركة قامت منتصف التسعينات لتصفية الخلافات بين الجماعات والأحزاب التي كانت تتصارع فيما بينها، بعد خروج القوات السوفياتية التي كان لها الدور الأبرز في المأساة الأفغانية، واستطاعات أن تنهي تلك الخلافات والصراعات التي أفرزها واقع الحرب الأفغانية، وأسست سلطة متواضعة، تداخل فيها الديني مع الإثني، وأفرز هذا المنظور نموذجاً للحكم لا يرتبط بعصرنا ولا يؤسس لأي أفق سياسيّ حديث، ولم يكن بمقدورها -يومها – أن تسوق النموذج الذي يطمح إليه كلّ مسلم اليوم في العيش تحت نظام وسلطة سياسيّة تُوّفر له العيش الكريم، والحرية والكرامة الإنسانية، التي يتعشقهما كلّ إنسان سويّ.
بدأت بهذه المقدمة لأضع الكثير ممن يتابعون الشأن الأفغاني في الصورة الأوضح لمسار هذه الحركة، حتى يتمكن من يحمل رؤية مخالفة لمشروع الدولة الجديد في أفغانسان بعدما عجزت أكبر دولة في العالم على البقاء داخل الأراضي الأفغانية، وعجزت-أيضا- على تصفية حركة المقاومة التي تقودها طالبان، وفاجأت العالم بإعلان الانسحاب وترك النظام الذي نصبته حاكما للبلاد يخوض مصيره، فكان أن اختار هو الآخر الانسحاب وتسليم شؤون الدولة لحركة طالبان التي أبدت نوعاً من المرونة في التعامل مع كلّ الأفغان وحتى من كان يقف إلى جانب القوات المحتلة، كما صرح قادتها بضرورة فتح علاقات جدّية مع كلّ دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه مؤشرات جيّدة تنبئ عن تطور كبير في رؤية الحركة لفكر الدولة، وإذا استطاعت الحركة أن تنهج هذا النهج في تسيير الدولة، في العلاقات الخارجية، ومع إظهار المرونة والحزم العادل مع الداخل الأفغاني، فإنّها ستسير نحو نموذج سياسيّ في الحكم، يتوافق مع الثقافة والجغرافيا الأفغانية ذات الطبيعة التقليدية المتجذرة، والتي تتطلب نوعاً من المرونة في التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية، بدل فرض منطق القطيعة والتجاوز الذي تدعو إليه الجماعات العلمانية المتحالفة مع المشروع الاستعماري.
لا يمكن التنبؤ بما ستبديه الأيام، بنجاح الحركة من عدمه، بل الأمر متروك لمستقبل هذه الدولة التي عانت الكثير من خبث أكبر المشاريع الاستعمارية في عصرنا (بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية)، وما تزال تعاني من مشاكل كبيرة، أهمها المشاكل الاقتصادية العويصة، التي تجعل من مهمة الحركة، مهمة مستحيلة إلاّ بتعاون أطراف دولية، أهمها العالم الإسلامي (تركيا، وماليزيا، وقطر والسعودية…)، ويومها يمكن الحكم على نجاح الحركة من فشلها.