الحديث النبوي الشريف. [العلماء ورثة الأنبياء]
الســـــؤال
قال السائل قرأت في كتاب هذا الأثر {العلماء ورثة الأنبياء} فهل هذا الأثر حديث شريف؟ وما معناه؟ وهل الأنبياء يورثون؟
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: مصدر هذ الحديث. في سنن أبي داود. في كتاب العلم باب الحث على طلب العلم. رقم:3641.) ونص الحديث. عن كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ: إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي، أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ، قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.] (أبو داود:3641) ورواه (والترمذي. :2682. وابن ماجة. رقم.223.) وفي مسند ابن أبي شيبة رقم:.47. ومسند أحمد. 21715. وصحيح ابن حبان. رقم:88.
وأورده البخاري في كتاب العلم. في ترجمة باب: العلم قبل القول والعمل.{لقول الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ﴾ (سورة محمد: 19) فبدأ بالعلم [وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وَرَّثُوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة] وقال جل ذكره: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ (فاطر:28 {قال الحافظ في «الفتح» 1/160: [وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ]. طرف من حديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم مصححاً من حديث أبي الدرداء، وحسنه حمزة الكناني، وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها} والله تعالى أعلم.
ثانيا: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: {فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ لَهُمُ الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا، هُمُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ عِلْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» وَالْأَنْبِيَاءُ لَمْ يُوَرِّثُوا إِلَّا الْعِلْمَ، وَعِلْمُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّتُهُ، فَمَنْ تَعَرَّى عَنْ مَعْرِفَتِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ.} (ابن حبان :88) محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ)
شرح الحديث: [مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ] أي من مشى في طريق يبتغي فيه العلم النافع للعبادة أوالعمران، مهد الله له طريقا إلى الجنة، جزاء تلقي الخير وتبليغه. [وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ] وإن الملائكة لتضع أجنحتها، جمع جناح رضا، راضية، وتدعو له بالرضا، وهذا من باب التزكية لطالب العلم، بأن الله تعالى يوفقه وفق نيته الخالصة لله تعالى، أو لأجل إرضائها لطالب العلم، بما يصنع من حيازة الوراثة العظمى من تركة الأنبياء، وتركتهم العلم. ومن أسلوب هذا التعبير قول الله تعالى: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾ أي تواضع لهما. [وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ] وإن العالم ليستغفر له، تعبيرا عن استقامته فيما هو فيه، وعن صواب عمل طالب العلم، حتى الحيتان جمع الحوت خُصَّ لدفع إيهام أن من في الأرض لا يشمل من في البحر، كذا قيل. [وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ]
وفضل العالم أي الغالب عليه العلم وهو الذي يقوم بنشر العلم بعد العمل به، على العابد وهو الذي يصرف جل أوقاته بالنوافل مع كونه عالما بما تصح به العبادة. كفضل القمر أي: ليلة البدر، كما في رواية على سائر الكواكب، قال القاضي شبه العالم بالقمر والعابد بالكواكب لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد ونور العالم يتعدى إلى غيره. فهذا تصوير بلاغي عظيم، كيف أن القمر يتلقى النور ثم يرسله إلى غيره، فكذلك العالم يتلقى العلم والعلم نور ويعلمه ويبلغه لغيره. [وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ].
إن العلماء ورثة الأنبياء في العلم، وإنما لم يقل ورثة الرسل ليشمل الكل، لم يورثوا بالتشديد من التوريث دينارا ولا درهما أي لم يورثوا أموالا، الأنبياء لا يُوَرِّثون تركة مالية، وشيئا من متاع الدنيا، وإنما التركة التي تركها الأنبياء هي العلم. فمن أخذ به أي: فمن أخذ من العلم الذي تركه الأنبياء فقد أخذ بحظ وافر أي: أنه أخذ نصيبا كاملا. يفيدهخير. والله تعالى أعلم، وهو العلي الحكيم.