في رحاب الشريعة

لا، لدوام العداوة والنزاع ولا لبقاء الشعــــوب تحـــــــــت نار الصــــــراع

الشيخ محمد مكركب أبران/

ماهي أسباب العداوة المتفشية بين الشعوب المتنازعة، في حروب نفسية مقيتة عجيبة، والمتصارعة في حروب سياسية ساذجة غريبة،؟؟ أفلا يعقلون؟ وكيف تعود هذه الشعوب إلى وحدتها واتحادها، وإلى قوة مجدها وسيادتها؟ وليس هذا المقال دعوة للتآلف والوحدة والاتحاد ابتداء، لأن ما بينته بفضل الله تعالى وتوفيقه في كتاب:{سياسة الإتلاف،ط2 وخصوصا ما جاء في الصفحة: 308 وما بعدها} كاف واف. لو يُقْرَأُ الكتاب لعلم الشيوخ والشباب، أين الداء وأين الدواء، وقد يقول قائل متسرع أليس في كتاب الله وسنة نبيه ما يكفي ويشفي؟ قلت: والكتاب المذكور نفسه محاولة لتبليغ ماء في الكتاب والسنة.
إنما هذا المقال من باب واجب النصح والتنبيه، من باب مدلول الآية الكريمة: ﴿وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾. فيقال للشعوب المتعادية المتخاصمة المتقاتلة، إن طريق المحبة والتعاون أفضل، وإن الصلح والتسامح أحسن وأجمل، وإن كل مُصِرٍّ على عداوة أخيه فهو مخالف للإيمان، وساقط في واد العصيان، فالتوبة التوبة، والمحبة المحبة أيه المؤمنون لعلكم تفلحون.
ويقال للعلماء والدعاة والمفكرين الذين يُسألون عن وحدة الأمة وأمنها، والذين يرون ما يُدبر ويُكاد لأوطان المسلمين، ولا يقولون للطاعنين في وحدة الأمة وثوابتها، قفوا، وانتبهوا. إن ثوابتنا هي أساس سيادتنا، وحياتنا، وهي: وحدة الدين الإسلامي، ووحدة التراب الوطني، ووحدة المجتمع في وحدة الشعب، بوحدة قيادته ورايته، ووحد اللغة التي أنزل الله بها كتابه، وبعث بها نبيه، إن الوقوف مع الحق واجب، والجهر بكلمة الحق، من أوجب الواجبات على العلماء، فالواجب الوقوف مع وحدة الدين وهو الإسلام، ووحدة الشعوب وتآلفها، والاستنكار على من يخرج على الأمة بالخيانة، أو بالدعوات الضالة. ففي الحديث الشريف.[مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ] ويقال للحكام الذين لايزالون يكرسون سياسة الغلاب، بعيدا عن علوم الكتاب، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، واتبعوا سياسة نبيكم، يرضى عنكم ربكم، وتحبكم شعوبكم،﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران:159) أيها الحكام اجمعوا علماء الأمة في وطنكم واستشيروهم بكل حرية وحَمِّلُوهُم المسؤولية لاكما تريدون أنتم، إنما كما يعلمون مما علمهم الله من الكتاب والسنة. فالحلول لكل مشكلاتكم موجودة، ويكفي أن تفتحوا قلوبكم وترتاحوا لبعضكم، وتنوون بصدق وعزم، أنكم مع الحق حيثما كان، وأنكم ضد الباطل ممن كان، هذه وصيتي لحكامنا من الخليج إلى المحيط. فلا لدوام العداوة والنزاع، وألف لا، لبقاء الشعوب تحت نار الصراع.
ويقال لمن ينزلقون في الخوض مع الخائضين الذين يريدن أن يطعنوا وطنهم، من الداخل، ممن يأكلون الغلة ويسبون الملة، مقابل جناح بعوضة، مقابل فتات حرام يُقَدَّمُ لهم من يد أعدائهم، يقال لمن يخرج ضد وطنه وضد وحدة أمته، فإن اللعبة جُرِّبت من قبلهم مئات المرات، وكان الدمار على رؤوس الأشرار، ولو تعاونوا مع كل الكفار.
ليعلم كل هؤلاء أن الإصرار على تكريس العداوة خدمة مجانية لشياطين الجن والإنس، وأن الذين لايزالون يوقدون نار الكراهية بين أبناء شعب، أو بين شعبين، أو بين دولتين، وهم ليسوا من خارج هذه الشعوب، بل الحال والمحال، كما ورد في الأمثال أن عِلَّة الفُولَة من جَنْبِها، وعلة الشعوب من سياستها، وضعف الأمة من تقصير واختلاف علمائها.
أقول لكل إخواننا في المغرب العربي وفي المشرق العربي والخليج العربي، في كل الشمال الإفريقي والجزيرة العربية: لقد دق جرس الخطر للمرة الثانية، وكانت النكبات، فحذار أن يصل الأمر بهذه الشعوب، أن يدق جرس الخطر للمرة الثالثة، وقد ظهر أكثر الإرهاصات الدالة على خطر عظيم، ولستُ متشائما، بهذا التحذير، بل إنني متفائل، بأن شعوبنا الإسلامية ستثوب إلى رشدها، وأن حكامنا سيعودون إلى منهاج الدين عن طريق التعاون مع العلماء المخلصين، والشباب المتحمسين، المتشبثين بحب وحدة أمتهم ووحدة وطنهم.
1 ـ أذكر نفسي وإياكم جميعا بأن التصالح مع بعضنا كلنا كمسلمين فرض واجب علينا كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وإلا فما فائدة من يملئون المساجد صلاة وذكرا، ثم يعترفون إما قولا، أو سكوتا، أو تقاتلا، بأنهم أعداء لمسلمين يملؤون المساجد مثلهم، فدعوتي للحكام والعلماء خاصة، ولكل الشعوب عامة، بالإقلاع عن هذه العداوات، والحروب، ويتوب الله على من يتوب، والعودة إلى أمر الله تعالى.﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ وقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ وقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
2 ـ إن التعاون بين أبناء الشعب الواحد، كالشعب الجزائري أو اليماني أو الليبي، أو المصري وغيرهم، فرض واجب على الحكام والعلماء وجميع الرعية لكل بلد، ثم التعاون بين كل الشعوب الإسلامية فرض واجب على كل المسلمين. قال الله تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.﴾ (التوبة:71) وعدم التعاون ترك فرض عظيم. قال الله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان﴾ ومن باب التعاون على الإثم والعدوان، هو التعاون مع الكافرين ضد المسلمين، أو تولي الكافرين وعداوة المسلمين.
3 ـ لقد حرم الله تعالى على المؤمنين تولي الكافرين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾أو نقل أسرار المسلمين للكافرين، والخيانة الوطنية من أكبر الجرائم في السياسة الشرعية.﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ﴾ (الممتحنة:1)
4 ـ لقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين، بأنهم إن تصالحوا واتحدوا وتعاونوا، لن يصابوا بأزمة اقتصادية، ولا حصار اقتصادي من أحد أبدا، ولن يتغلب عليهم الكفار أبدا، ولو اجتمع عليهم كفار العالم!! ألا تؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم،؟ ألا تصدقونه؟ ماذا جرى لكم أيه المسلمون؟، ما الذي أصابكم أيه المسلمون؟ ففي الحديث. عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.] (مسلم:2889) اللهم اشهد فإننا قد بلغنا. اللهم اشهد فإننا قد بلغنا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com