بمشاركة علماء وأساتذة من ربــوع الوطن وخارجه / افتتاح أكاديميـــة الثقافــــة السننيــــة للتجديـــــد الحضاري

أ. محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا/
انطلقت أشغال الجلسة الافتتاحية من مقر الأكاديمية ببرج الكيفان بالعاصمة الجزائرية، ليتابعها متدخلون من خارج وداخل الوطن من أهل الاختصاص -عبر تقنية الزوم للتواصل عن بعد – في حدود الساعة الثالثة والربع مساء، حيث تليت آيات بينات من الذكر الحكيم من طرف أحد شباب الأكاديمية، فالنشيد الوطني لتعطى كلمات مقتضبة على التوالي لكل من السادة:
الدكتور عبد الله لعريبي، رئيس الأكاديمية وأستاذ بالمدرسة الوطنية المتعددة التقنيات (بوليتكنيك) بالحراش/ الجزائر، الذي تطرق فيها للتعريف بالأكاديمية ومشروعها التجديدي الواعد، حيث ركز على مفهوم “منظور السننية الشاملة”، من خلال التعريف، الرؤية، الرسالة، الأهداف والوسائل.. مبرزا الهيكلة المعرفية للأكاديمية وفق أربع كليات يتفرع عنها كم من الدوائر، أما الكليات فهي: كلية سنن الأفاق، كلية سنن الأنفس، وكلية سنن الهداية وكلية سنن التأييد.. مختتما كلمته بدعوة عامة وحازمة للحاضرين كلّ حسب تخصصه للمساهمة في مشاريع الأكاديمية، وكلّ خلق لما يسر له.
بعده أحيلت الكلمة لرئيس المجلس العلمي للأكاديمية الكاتب والمفكر الدكتور الطيب برغوث، حيث قدم محاضرة مركّزة المصطلحات، بعنوان: “منظور السننية الشاملة هو طريقنا إلى النهضة الحضارية المتوازنة”، بعد حمد الله والثناء عليه على تيسير ميلاد هذا المشروع رغم طول انتظار، مقدما تهانيه للذين واكبوا معه تأسيس هذه الأكاديمية، وخصّ بالذّكر منهم الأستاذ مراد موزالي -رحمه الله – الذي فارق الدنيا ولم يكتب له شهود هذا الميلاد معنا، وبدا الأستاذ الطيب برغوث متأثرا ومتحمسا في مداخلته وقد غالب الدمع فغلبه..
وتعميقا لما جاء في كلمة رئيس الأكاديمية الدكتور عبد الله لعريبي، حول تعريفه العام بأكاديمية الثقافة السننية، ركز الدكتور برغوث كلمته حول ما ذكره عن الشعار الرئيس للأكاديمية وهو قوله: “السننية الشاملة هي طريق النهضة الحضارية الإنسانية المتوازنة، والحياة الأخروية الكريمة”! وهو ما قد يعتبره البعض إدعاءً أو طموحا يحتاج إلى بينات، وهو اعتبار جدير بالاهتمام فعلا، محاولا تقديم بعض البينات عنه بتساؤلات منها:
على أي أساس معرفي ومنهجي سنني ترتكز هذه المقولة أو الخلاصة أو النّظرية؟ وما مصداقيتها في ضوء منطق السنن وتجلياتها التاريخية في الحركة الحضارية البشرية عامة؟ وهل فعلا منظور السننية الشاملة الذي ذكره رئيس الأكاديمية وأكد على أنّ الأكاديمية تقوم عليه، هو طريق النهضة الحضارية الإنسانية المتوازنة، والحياة الأخروية الكريمة؟ ما هي مؤشرات ومؤكدات ذلك؟
ومع صعوبة الإجابة عن كلّ هذه الأسئلة الكثيرة والكبيرة والهامة لضيق الوقت، حاول -المحاضر – استلال هذه الإجابة من تسمية الأكاديمية، التي تكشف لنا عن بعض أهم مبررات وجود هذه الأكاديمية أولاً: وعن الركائز التي تستند عليها الآفاق التي تنشدها.
ثانياً: والطريق أو المنهج الذي تتحرك عبره نحو ذلك.
ثالثاً: والمكاسب الدنيوية والأخروية التي يمكن للأفراد والمجتمع والأمة أن يجنوها من ذلك.
رابعاً: وعن المسؤولية التي يطرحها ذلك كله على المجتمع ونخبه المختلفة إزاء هذا المشروع.
خامساً: والمصالح الجمة التي تفوِّتها الغفلة عن مثل هذه المشاريع، أو الزهد فيها، أو الخذلان لها، والمخاطر الدنيوية والأخروية التي تترتب عن ذلك كله.
سادساً: متسائلا في ما اعتبره أسئلة مفتاحية، منها خصوصا:
السؤال المفتاحي الأول:
ما هي القضية أو الأولوية الأكثر مركزية في الحياة الدنيوية والأخروية للأفراد والمجتمعات، التي إذا ما وُعيَّت، وأدركت أهميتها المحورية في حياة الأفراد والمجتمعات، وحُقِّقت في أرض الواقع، انعكست تأثيراتها الإيجابية الشاملة على كل حياتهم الدنيوية والأخروية، بالمزيد من الفعالية والخيرية والبركة والرحمة الكونية العامة؟.
2- إذا كانت النهضة الحضارية هي قدر المجتمعات الإنسانية وقانون حياتها الكلي المطرد، فما هو قانون النهضة الحضارية وقدرها.
3- إذا كان التجديد الشامل هو قدر النهضة الحضارية وقانونها الكلي المطرد، فما هو قدر الجديد وقانونه الكلي المطرد؟…
4- إذا كانت الثقافة السننية الشاملة هي قدر التجديد الحضاري المتوازن وقانونه الكلي المطرد، فما هو قدر المعرفة والتربية والثقافة والحركة وقانونها الكلي المطرد؟ أي كيف ننتج هذه المعرفة الشاملة المتوازنة؟ وكيف نحقق هذه التربية الشاملة المتوازنة؟..
5- إذا كانت السننية الشاملة، هي قدر النهضة الحضارية المتوازنة، والتجديد الحضاري المتوازن، والمعرفة والتربية والثقافة السننية المتوازنة، والحركة الإنجازية السننية الشاملة، وقانونها الكلي المطرد جميعا، فما هو قدر هذه السننية الشاملة وقانونها الكلي المطرد؟..
مختتما تساؤلاته بعدد من المكاسب التي يجنيها الأفراد والمجتمع من نجاح هذا المشروع، داعيا الجميع للمساهمة كل حسب إمكانياته وتخصصه.
لتحال الكلمة للمحاضرة الموالي، البروفيسور مولود سعادة، الأستاذ بجامعة باتنة والمشرف في الأكاديمية على كلية سنن التأييد، قدم ورقة نفيسة ومركزة بعنوان: “دور النخبة في احتضان مشروع أكاديمية الثقافة السننية للتجديد الحضاري” استهل البروفيسور كلمته متفائلا ومتسائلا بقوله: “لا أستطيع أن أخفي عنكم ما أشعر به في هذه اللحظة المهيبة، وأنا أقف أمامكم هذا الموقف، وفي هذا الظرف، وفي هذه المناسبة، لأنه في تقديري، موقف عظيم مهيب، يشعر فيه الإنسان بثقل المسؤولية، وعظم الأمانة، وخطورة الرسالة، ونحن نودع سنة هجرية برمزيتها الحضارية، تمتد إلينا من خمسة عشر قرنا من الزمان، حبلى بالعبر إيجابا وسلبا، نجاحا وفشلا، سعادة وشقاء.. فهل قمنا بواجب التدبر والاعتبار والمراجعة؟! أم أننا غفلنا عن ذلك، وتطاول علينا الأمد؟”..
الدكتور عمار قاسمي، من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، قدم ورقة بعنوان: “استراتيجية المواسم الثقافية لأكاديمية الثقافة السننية”.
وهذا ما قامت ورقته المختصرة التعريف به، على حد قوله، من خلال محورين أساسيين هما:
محور التعريف باستراتيجية شبكة المواسم الثقافية، وبيان أهميتها البيداغوجية. أي الجواب عن سؤال: لماذا انتهاج إستراتيجية المواسم الثقافية في هذه المرحلة؟
محور التعريف بالمنهجية الإجرائية العامة التي تُنجَز بها هذه المواسم الثقافية..
الكلمة الختامية كانت من نصيب الشيخ ماجوري التهامي، الكاتب والإعلامي الإسلامي المعروف، قدم ورقة مقتضبة فيها الخطوط العريضة لبرنامج “الموسم الثقافي الأول والثاني مبينا أن الموسم الثقافي الأول، خصص لدورة بعنوان “سنن ميلاد الأمم العظيمة: الأمة الإسلامية نموذجا”، يليها بحول الله الموسم الثقافي الثاني بعنوان: “الأزمة الحضارية المعاصرة وسؤال الخيارات المتاحة”.
داعيا الله تعالى، في الختام، أن يأخذ بأيدي هذه الأجيال من نخبنا الفكرية والاجتماعية والسياسية، إلى الرشد السنني الشامل، الذي لا طريق إليه إلاّ طريق السننية الشاملة، لأنه طريق الحكمة التي تمكن الإنسان من فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، والله سبحانه وتعالى {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 269].