ذكريات عابـــــرة عن الدكتــــــــور عبد الحميـــــــــد أبو سليمان
أ.د. مولود عويمر/
توفّي المفكر الكبير الدكتور عبد الحميد أبو سليمان (1936-2021) في 18 أغسطس الماضي عن عمر ناهز 85 سنة عامرة بالنشاط الفكري وإقامة المؤتمرات والندوات العلمية العالمية، والإنتاج العلمي الرصين في قضايا الفكر المعاصر والمنهجية.
الدكتور عبد الحميد أبو سليمان في سطور
ولد عبد الحميد أبو سليمان بمكة المكرمة في عام 1936. تحصل على تعليمه الابتدائي والثانوي في هذه المدينة وتخرج مكة، وتخرج في مدرسة تحضير البعثات 1955.
غادر السعودية إلى مصر لمواصلة تحصيله العلمي الجامعي، فنال شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة في سنة 1963.
ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراساته العليا في جامعة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. ولم يكتف بالتحصيل العلمي وإنما مارس أيضا النشاط طلابي بشكل دؤوب، وساهم في تأسيس “إتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا” والإشراف على نشاطاتها الثقافية والاجتماعية المختلفة.
وفي عام 1973 تحصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية وعاد إلى بلده المملكة العربية السعودية واشتغل أستاذا بجامعة الرياض.ثم رئيسا لقسم العلوم السياسية بها، وأمينا للمجلس الأعلى للتخطيط.
لقد ترك بصمات واضحة في مجال إنشاء المؤسسات العلمية والفكرية لتدعم جهود النهوض الحضاري للأمة الإسلامية، وفي هذا السياق ساهم في إنشاء المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، والجامعة الاسلامية في كوالامبور بماليزيا، وجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين بالولايات المتحدة الأميركية وكندا، ومجلتها الأكاديمية المعروفة: “المجلة الأميركية للعلوم الاجتماعية الإسلامية”… وغيرها من المؤسسات التعليمية والتربوية والمشاريع الفكرية والعلمية التي كانت لها أفضال كثيرة على الطلبة المسلمين في العالم الغربي، وتنظيم مؤتمرات علمية لا تحصى، ونشر المئات من الرسائل الجامعية والأعمال الفكرية الرائدة باللغات المختلفة، وتطوير مناهج التعليم والبحث العلمي في العديد من الجامعات العربية والإسلامية.
ولم تشغل كل هذه المؤسسات وأعباء تسييرها الدكتور أبو سليمان عن البحث العلمي والتأليف، فقد أصدر كتبا عديدة بالعربية والانجليزية في القضايا الفكرية المعاصرة، أذكر هنا بشكل خاص العناوين التالية: “نظرية الإسلام الإقتصادية: الفلسفة والوسائل المعاصرة”، “النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية”، “أزمة العقل المسلم”، “العنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي بين المبدأ والخيار”، “أزمة الإرادة والوجدان المسلم”، “إشكالية الاستبداد والفساد في الفكر والتاريخ الإسلامي”،” الرؤية الكونية الحضارية القرآنية”، و”انهيار الحضارة الاسلامية وإعادة بنائها”. بالإضافة إلى هذه المؤلفات نشر مقالات عديدة نشرها في المجلات الأكاديمية العربية والإسلامية والغربية.
زيارته الأخيرة للجزائر
زار الدكتور عبد الحميد أبو سليمان الجزائر على الأقل 3 مرات. فزارها في عام 1986 للمشاركة في أعمال الملتقى العشرين للفكر الإسلامي المنعقد بمدينة سطيف. وكانت محاضرته حول: “العطاء الإسلامي في ميدان العلوم الاجتماعية والإنسانية: المعوّقات والامكانات”.
وزار مدينة قسنطينة في عام 1988 للمشاركة في أشغال الملتقى الدولي حول “المنهجية الاسلامية والعلوم الإجتماعية” والذي نظمته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الاسلامي بواشنطن.
أما زيارته الأخيرة للجزائر فكانت في شهر أفريل من العام 2010 مرفوقا بالمفكر الأردني المعروف الدكتور فتحي حسن ملكاوي. وقد رافقتهما في زيارات عديدة إلى بعض المؤسسات العلمية الموجودة في الجزائر العاصمة أذكر منها: كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر، والمجلس الإسلامي الأعلى، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف حيث استقبل الوزير الوفد استقبالا حارا.
وبعد هذه الزيارات الرسمية الماراطونية صُلنا وجلنا مع الدكتور أبو سليمان والدكتور ملكاوي في مدينة الجزائر، وتناولنا معا بعض الأطباق الجزائرية على ضفاف البحر في منطقة الرايس حميدو حيث تنتشر المطاعم المختصة في المأكولات المصنوعة من الأسماك.
وقد كان ختام هذه الزيارة إلى مدينة الجزائر المشاركة في ندوة فكرية راقية نظمناها يوم السبت 10 أفريل في مقر جمعية العلماء الجزائريين بالرويسو حول موضوع: “الأبعاد الغائبة في مشروع النهضة في العالم العربي والاسلامي”.
وقد حضر فعالياتها مجموعة من الأكاديميين الجزائريين من أمثال عمار الطالبي، رشيد ميموني، عمار جيدل، الأخضر شريط، أحمد وارث، طالب مناد، عمر النقيب، عبد الوهاب بودربال، ومولود عويمر…الخ.
وبعد يومين انتقل الضيفان إلى مدينة تلمسان في أقصى الغرب الجزائري للمشاركة في أعمال الملتقى الدولي المنعقد في رحاب الجامعة حول موضوع التكامل المعرفي الذي صار من أهم الموضوعات التي تشغل القائمين على المعهد العالمي للفكر الإسلامي.