حقيقة النجاح والفشل في الحياة(2)

أ.د/ مسعود فلوسي*/
النجاح الحقيقي هو الفوز في الآخرة
إن النجاح المحصل في الدنيا لا قيمة له في الآخرة إلا إذا كان صاحبه مستحقا للنجاح الأخروي.
هذا النجاح الأخروي لا يُنال بالمال ولا بالمنصب ولا بالشهرة ولا بالعلم، وإنما يُنال بأمرين اثنين: الإيمان والعمل الصالح، فمن عاش حياته الدنيوية مؤمنا عاملا الصالحات، فهو من الناجحين في الآخرة، مهما كانت مكانته بسيطة ومتواضعة في الدنيا. ومن عاش حياته الدنيوية كافرا أو مشركا أو منافقا غير عامل للصالحات، فهو من الفاشلين في الآخرة، مهما حقق من أمجاد ومهما بلغت مكانته في الدنيا.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ [البروج: 11]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ. خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [لقمان: 8-9].
النجاح الحقيقي في طاعة الله وخشيته: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾
[النور: 52].
النجاح الحقيقي في الحرص على عمل الصالحات وترك المنكرات، قال سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون 1-11]. وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة: 20].
النجاح الحقيقي يوم يخرج الإنسان من هذه الدنيا وهو يردد بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد].
النجاح الحقيقي عندما يأتي المسلم يوم القيامة بصلاة تامة غير ناقصة، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» [رواه أبو داود والترمذي والنسائي].
النجاح الحقيقي يوم يؤتى الإنسان كتابه بيمينه يوم القيامة، فيفرح ومن شدة فرحه يخبر الناس من حوله معلنا أنه كان في الدنيا موقنا بيوم الحساب، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: 19-24].
النجاح كل النجاح يوم يدخل الإنسان الجنة ويُزحزح عن النار، قال تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا. خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف: 107-108].
الفشل الحقيقي هو خسارة الإنسان لآخرته
والفشل الحقيقي والخسارة الفادحة هي خسارة الإنسان نفسه وأهله يوم القيامة، ودخوله النار والعياذ بالله:
﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر: 15]. ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾
[الكهف: 103-106].
هذه الخسارة أو هذا الفشل نتيجة لاختيارات الإنسان وأعماله في الدنيا:
فالكفر بالله سبب للخسارة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [العنكبوت: 52].
والإعراض عن آيات الله وجحودها سبب للخسارة: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
[الزمر: 63].
ونقض العهود وقطع الأرحام من أسباب الخسارة: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 27].
والاشتغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله وتضييع الواجبات الدينية من أسباب الخسارة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: 9].
الحرص على النجاح الأخروي لا يمنع العمل لتحقيق النجاح الدنيوي
هذا، وإن حرص المسلم على النجاح والفوز في دينه وآخرته لا يعني أبداً التكاسل في طلب نجاحات الدنيا الصالحة الممكنة، بل سعي المسلم إلى نجاح الدنيا أمر مطلوب، قد يصل أحياناً إلى درجة الفرض العيني أو الكفائي، لكن هذا السعي لابد أن يُبتغى به وجه الله وأن يكون المقصود منه طاعة الله وخدمة دينه ونفع عباده والتمكين للخير ومحاصرة الشر وتضييق دائرته.
فالمال الصالح في يد الإنسان الصالح نعمة عظيمة، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِح) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم، والبيهقي].. والمنصب النافع في يد الإنسان المؤمن التقي سبب إلى خير عظيم يعود على البلاد والعباد، عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل…» [رواه البخاري]. والشهرة إذا تحققت لإنسان تقي كانت سببا لأن يتبعه الناس ويقتدوا به في عمل الصالحات، قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عليه؟ قالَ: «تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ». والعلم النافع في قلب الإنسان المؤمن التقي باب عظيم من أبواب الخير للأمة والمجتمع والإنسانية بصفة عامة، قال الله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وعن أبي أمامة الباهلي قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير» [رواه الترمذي والطبراني].
النجاح الدنيوي لا يجوز أن يُقصد لذاته
لكن النجاح الدنيوي لا يجوز أن يكون مقصودا لذاته، وإنما لابد من اتخاذه وسيلة للنجاح في الآخرة، لأنه إذا طلبه الإنسان لغرض دنيوي فسيكون سببا لخسارته وفشله يوم القيامة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله تبارك وتعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يُقال فلان قارئ فقد قيل ذاك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت، ويقول الله: بل إنما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريئ فقد قيل ذاك». ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة» [رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة].
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التوفيق في كل الأمور وأن يصلح له أموره كلها ويجعلها سببا لنجاحه في الآخرة، فكان يقول في دعائه الشريف: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ» [رواه مسلم عن أبي هريرة].
*كلية العلوم الإسلامية
– جامعة باتنة1