ثقافة شباب النهوض الحضاري 2/ كمال أبو سنة
المقصود بـ”الثقافة العلمية الحديثة” هو أن يُلم الشاب النهضوي في حركة البعث الحضاري بشيء من عموميات العلوم الكونية، ويكون محيطا إحاطة كافية بما تنتجه الحضارة الإنسانية من اختراعات وابتكارات واكتشافات علمية وتكنولوجية استطاع العقل البشري أن يتوصل إليها في هذا العصر، حتى يكون مواكبا للحياة العصرية غير بعيد عن ابداعاتها التي تستجد كل يوم…وأفتح قوسا وأطوف قريبا من هذا المعنى فأقول: حين أتكلم عن الاكتشاف والابتكار والإبداع العلمي تتجلى أمامي صوَّر مجموعة كبيرة من علماء سلف هذه الأمة الذين سبقوا غيرهم في عالم الاكتشافات العلمية في تخصصات مختلفة، وخدموا الأمة بعلمهم وبحثهم ودرسهم فأسهموا في رقيها الحضاري إسهاما معتبرا حتى قادت العالم قرونا عددا وما كَبَت إلا بعدما فرق المسلمون الذين جاءوا من بعدهم بين الدين والعلم، وتمكنت منهم الخرافات والهرطقات، واستلذوا الشهوات، وآثروا البطالة والكسل على النشاط والعمل..!
أسماء علمية عظيمة يشهد لها التاريخ بالعبقرية لعبت دورا هاما في التطور العلمي تخرجت من المساجد التي كانت جامعات للعلم والدين على حد سواء مثل ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية، وابن سينا الذي اكتشف التخدير لإجراء العمليات الجراحية وغيرها من المكتشفات الطبية، والرازي الذي صنع خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات، وابن الهيثم الذي اخترع النظارات الطبية لضعاف البصر وأسس علم البصريات، والجزري الذي اخترع المضخات التي مهدت لاختراع المحركات، وابن يونس الذي اخترع البندول، والخوارزمي مؤسس علم الجبر، وجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء وأول من تكلم في مسألة الانشطار النووي والطاقة الذرية، وابن خرداذبة الذي أثبت كروية الأرض قبل كوبرنيكوس بعدة قرون، وزين الدين الآمدي أول من اخترع الحروف المخصصة للمكفوفين، و، و، و…
ما ذكرته من أسماء تعد قطرة في بحار الأسماء الكبيرة التي أسهمت في الاكتشافات العلمية، بيد أن الغرب الذي أرّخ لتاريخ العلوم حصر العلماء المكتشفين في بني جلدته ودينه فقط وجعلهم السابقين في كل شيء، فدفعه الشنآن إلى عدم العدل..!
ليست المشكلة اليوم في إغماط الغرب حق العلماء المسلمين الذين قدموا للحضارة الإنسانية أعظم الاكتشافات والاختراعات لأن الحقائق بدأت تظهر من خلال اعترافات بعض كُتَّابهم ومحاضريهم المنصفين، ولكن المشكلة تكمن في تبلد أفكار بعض أتباع الإسلام الذين لا يدركون مدى تخلفنا العلمي وضعفنا الحضاري فاشتغلوا بسفاسف الأمور عن عظائمها، وأمتنا تستجدي الغذاء واللباس والدواء والسلاح من الغرب..فمتى نستفيق.؟!
إن العقل الغربي الذي لا يؤمن بالمستحيل، فتح العنان لفكره حتى يُبْدِع ويأتي بالجديد الذي صَعُبَ الإتيان به على الأوائل.!
إن هؤلاء القوم لم يكتفوا ببلوغ السحاب والسير في دروب القمر حتى أرسلوا مراكبهم الفضائية إلى المريخ ليتحسسوا من أخباره، ولم يكتفوا بصناعة الجواري المنشآت في البحر كالأعلام حتى انطلقوا غائصين في أعماق المحيط ليكتشفوا أغواره، ويفقهوا أسراره، ويُسَخِّروا ما يخرج من بطنه من أنواع الخيرات ليزدادوا قوة إلى قوتهم..ورحم الله الإمام ابن الجوزي الذي قال من قرون ناصحا الأمة الإسلامية كي تكون سبَّاقة في كل ميدان، وإلى كل فضل :”ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصوَّر للآدمي صعود السموات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تُحصَّل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض “.
قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه (مشكلات في طريق حياتنا الإسلامية) معلقا على كلام الإمام ابن الجوزي –رحمهما الله تعالى- :”وابن الجوزي من علماء القرن السادس الهجري ولو رأى المسلمين الآن في عصر الفضاء ينظرون إلى غزاة الجوِّ ببلاهة لحمل السوط وجلد به الظهور، ولبرَّأ الإسلام من هذا الانتماء المخزي”!!!
إننا اليوم نعيش معركة حضارية كبرى تحتم على المسلمين أن يصنعوا كل شيء بأنفسهم بدءًا من الإبرة، وانتهاءً بالصاروخ العابر للقارات، وإلا فإنهم لن يدركوا ما أدركه المسلمون الأوائل من نصر أَهَّلَهُم لقيادة العالم وسيادته قرونا طويلة. وهنا أغلق القوس.
إن القراءة في حياة الشباب النهضوي من أهم الوسائل التي بممارستها يستطيع أن ينال من الثقافة الشيء الكثير…ولن يملك الإنسان زادا معرفيا متنوعا إن هجر القراءة، وللأسف نحن المسلمين لا نقرأ، بل حتى المكتبة عوض أن نملأها في بيوتنا بالكتب أصبحنا نملؤها بأنواع الفناجين والتحف ما عدا الكتب، خلافا لبعض الأمم الأخرى التي أصبحت القراءة عندهم عادة ينمو بها إنسانهم من المهد إلى اللحد…يقول الأستاذ جودت سعيد في كتابه (اقرأ وربك الأكرم): “إن القراءة ينبوع العطاء…ينبوع كل المكاسب… ينبوع التسخير إلى الأفضل دائما…إن أهمية القراءة تبدو في معجزة النبي الأمي فكون خاتم النبيين أميا إشارة إلى أن أحدا من الناس بعد خاتم النبيين لن يكون مصلحا وهاديا في الناس بدون قراءة، وبخاتم النبيين النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم خُتم عهد الأمية وفتح عهد القراءة في الحياة البشرية…”.
لأجل هذا يجب أن يوطن الشباب أنفسهم على القراءة والمطالعة والبحث فتسع أعشار العلم في هذا…