قضايا و آراء

الخرافـــة … بين رفـض العقـــل وخطــر التشـبـــث

أ. عادل بن جغلولي*/


تنتشر الخرافات والأساطير في مجتمعاتنا منذ القدم على شكل قصص وروايات خارقة، وكم سمعنا من قصص مما لا يصدقه العقل ولا تتحمله الفطرة السليمة، بل لا يمكن لك ولا ينبغي أن تسأل عن الأصل والمصدر بل ما عليك إلا التصديق والتسليم …
فما هي الخرافة ؟ ومتى تنتشر؟
يقول ابن منظور في لسان العرب: الخرافة هي الحديث المستملح من الكذب. وقالوا: حديث خرافة… وجاء أيضا: أن رجلا من بني عذره غاب عن قبيلته ثم عاد فزعم أن الجن استهوته وأنه رأى أعاجيب جعل يقصها عليهم فأكثر، فقالوا في كل حديث مكذوب: أكذب من خرافة.
والخرافة هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب، حيث أن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال، وهو معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية، وقد تكون ثقافية أو اجتماعية، وتنتشر الخرافة عندما يقل العلم وتحارب الحقيقة، وقد تتحول هذه الخرافة إلى مسلمة، ومع مرور الوقت وبالتقادم والتراكم تصبح مرجعا يحارب كل من يقترب وينبش عن حقيقتها أو يحاول تفنيدها، يقول الدكتور عامر صالح -أخصائي في علم النفس جامعة بولندا – بتصرف-: ولم تبن الخرافة في أي عالم معاصر لأنها لا تستجيب منطقيا لحاجات الإنسان المتواصلة في العيش الكريم وفي البحث عن حلول لمشكلاته، وقد تهدد بناء المستقبل تهديدا لا يستهان به، لاسيما إذا استعان بها لبناء المستقبل وأي مستقبل يشيد بالخرافة..؟؟؟؟
أي نعم، وكم شاهدنا دولا جعلت من الخرافة منهجا ومرجعا، فأبادت شعوبا، ودمرت أمما وحضارات من أجل تحقيق مجدها الأسطوري، وفي سبيل البحث عن الهيكل المزعوم وقيام دولة إسرائيل مثلا ارتكب الكيان الصهيوني أكبر مأساة في التاريخ الحديث، وفي انتظار خروج المهدي من سردابه يعبث نظام الملالي بمنطقة المشرق بأكملها عبثا…
والأعجب أن ترى وزير خارجية أكبر دولة في العالم (مايكل بمبيو) يؤمن بخرافة المخلص، ويأمر قواته بمواصلة الحرب على العراق وتدميره لمهد الحضارة الإنسانية، فيقول: سوف نواصل القتال في هذه المعركة ولن تنتهي هذه المأساة حتى يأتي المخلص!!!! كن جزءا من هذا القتال واطلب منه العفو والحكمة!!!!!…
إنّ الأمم التي تبحث عن مجدها من خلال الخرافات والمعتقدات الأسطورية مآلها للزوال ولو بعد حين، كما أنها تسيئ للبشرية أيما إساءة في سبيل تحقيق تلك الأماني.
إنّنا نخشى نحن أمة الجزائر بعدما أكرمنا الله بالإسلام ورضيناه دينا قيما ودفعنا الأنفس والمهج في سبيل عزه وتمكينه، وبعدما وحدنا وجمعنا، هناك من يريد لنا مجدا أسطوريا، وأن ما نخشاه أن وراء الأكمة ما وراءها، فعلى علماء الجزائر ومفكريها ونخبها أن يتحدوا على كلمة سواء، وأن يمحصوا لنا الغث من السمين والمكذوب من الصحيح من تاريخنا، وأن لا تترك الفرصة للمخابر المشبوهة بالعبث بتاريخنا ونسج لأساطير هي أقرب لأساطير اليونان منها إلى الحقيقة، وقد احتار الشيخ الغزالي رحمه الله يوما عن قبول بعض الخرافات التي لا يمكن للمسلم التسليم بها فيقول في كتابه: (مشكلات في طريق الحياة الإسلامية): “وإني لأعجب من مفكر مسلم يقبل خرافة العقول العشرة التي اختلقها أرسطو، ومن مفكر آخر يقبل الهراء المذكور عن مدينة أفلاطون الفاضلة” ويقول في موضع آخر: الإسلام عقل يرفض الخرافة، قلب يرفض الرذيلة.
أخير أجدد ندائي إلى علماء الأمة ونخبها ولمن استأمنتهم الأمة واستأنست لآرائهم واجتهاداتهم أن يجمعوا أمرهم ولينخلوا لنا تاريخ أمتنا تنخيلا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينه، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
عضو ب ج ع م ج شعبة ولاية المسيلة
مكلف بالإعلام

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com