بين الإمطار و الإثمار2
مداني حديبي/
الصلاة بين المكابدة والتلذذ:
(كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة).
تناولنا في الحلقة السابقة أول علم من الأرض..علم الخشوع..
وأهميته وثمرته وخطورة فقده.. وفي هذه الحلقة نشرح الخطوات العملية للتحقق بالخشوع واليقظة والحضور..
نقول ابتداء:
لا يمكننا أن نصبح خاشعين بمجرد سماعنا لمحاضرات حول الخشوع أو مطالعة كتب حول الموضوع.
بل الأمر يتطلب جهدا وعرقا ومداومة ومكابدة..
صحيح في البدايات نحتاج إلى الجانب النظري والعلمي حتى نسير على بصيرة ونستفيد من التجربة التراكمية للخاشعين والخاشعات.. فنطالع باب الأسرار الباطنية للصلاة في إحياء علوم الدين أو خلاصته في المستخلص في تزكية الأنفس أو نطالع كتاب لأول مرة أصلي أو سلسلة العمري.
كيمياء الصلاة..أو دورة تدريبة في علم الخشوع..
كل هذا ضروري وجميل وطيب..
لكن الأحسن والأطيب أن نمارس الخشوع من اليوم..
الأمر يشبه السباحة تماما..كما أنه لا يمكننا السباحة على الورق، بل في ماء البركة ثم البحر..نعاني في البداية، نخاف، نتردد، نغرق ونشرب كميات من الماء..ثم شيئا فشيئا نتمتع ونتلذذ.
كذلك الخشوع في الصلاة أو علم التزكية يحتاج إلى ممارسة ومجاهدة ومكابدة في الواقع لا بين صفحات الكتب.
أول خطوة عملية سنبدأها اليوم مع صلاة الظهر بعد ساعات..
التهيئة النفسية والروحية والاستعداد القلبي..
_ ورود الإمداد بحسب الاستعداد:
وذلك بالوضوء الروحي لا الفقهي فحسب:
نتمضمض من الذنوب ونغسل اللسان مما اجترحه من غيبة ونميمة ولغو وننظف الوجه من المخازي والعيوب..
نطهر العينين من النظرات والغدرات ونغسل اليدين من البطش بأنواعه…ونتذكر الحديث النبوي من سلم الناس من لسانه ويده.. ونمسح الرأس من الوساوس والشبهات والأذنين من سماع ما لا يليق…وفيكم سماعون لهم..ونغسل الرجلين من الخطوات المتعثرة الغارقة في الوحل والطين.
ونتذكر وضوء ابن تيمية رحمه الله..يخضر ويصفر ..بعد كل وضوء فسئل لم هذا الخوف كله؟…قال: أتدرون لمن أقوم وألتقي بعد قليل.. برب الأرض والسماء…
_ شروق الأنوار بصفاء الأسرار:
بعد الطهارة الحسية…لابد من تطهير القلب لأنه موضع نظر الرب.. ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم…تنقيته من الحقد والحسد والرياء والكبر..كما أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب وصورة.. فكيف تدخل معاني الصلاة والقرآن الطاهرة في قلب فيه كلاب نابحة من باطن الإثم..
العملية تحتاج إلى جهد عملي قلبي يومي.. معركة مستمرة.