الزوجــــان أولمان: طبيبان في خــدمـــة القرآن الكريــم ولغتـــه
أ. عبد الحميد عبدوس/
قبل بضعة أيام كنت في زيارة لصديقي البروفيسور جمال أولمان، وهو طبيب جراح ورئيس مصلحة الجراحة العامة بمستشفى جيلالي بلخنشير بالأبيار (بيرطرارية سابقا)، وكانت فرصة طيبة أطلعني فيها على المرحلة الأخيرة من المشروع الثقافي الديني العلمي الذي أنجزه رفقة زوجته الدكتورة سمية أولمان الاختصاصية في طب السرطان وأمراض الثدي، المتمثل في وضع مدونة في صيغة ورقية ورقمية بشكل مقروء ومسموع لقراءة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية، لكن بنطق عربي سليم لغير الناطقين باللغة العربية أو لأبناء الجالية الجزائرية في الخارج أو الفرانكوفونيين الذين لا يحسنون قراءة الخط العربي. هذا الانجاز الهام الكبير والبحث الرائد الذي تتضافر فيه عادة جهود مؤسسات دولة أو مجموعات بحثية متخصصة، كان ثمرة جهود البروفيسور أولمان وزوجته الدكتورة سمية اللذين بذلا سنوات من عمرهما لخدمة كتاب الله تبارك وتعالى قصد تصحيح التعامل مع النص القرآني المكتوب باللغة الأجنبية، والتقليل من أخطاء أصحاب الترجمات السيئة التي يتسبب فيها عدم استيعابهم لمفردات ومعاني اللغة العربية وسوء قراءة ألفاظ القرآن من قبل المترجمين الأعاجم ولقطع الطريق أمام الترجمات القرآنية الناتجة عن القراءات الخاطئة التي كانت السبب الرئيسي في تشويه معاني القرآن الكريم ومقاصده، واتخذت في معظم الأحيان منطلقا للمترجمين المغرضين ذوي النيات السيئة للتهجم على الإسلام ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام والانتقاص من مكانته الشريفة.
قبل بضعة سنوات كان البروفيسور جمال أولمان وحرمه الدكتورة سمية قد شرحا طريقة إنجازهما لهذا العمل في محاضرة تحت عنوان: (جدول نقحرة الحروف من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية) وهي محاضرة ساهما بها في اليوم الدراسي الذي احتضنته المحكمة العليا حول أهمية المصطلح. وقدما آنذاك عرضا شاملا عن طريق تقنية الفيديو، ملخصا مصورا عن نماذج للتحريفات الواردة في الترجمات الأولى للقرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية مرورا باللاتينية، وتعتبر المداخلة جزءا من بحثهما الذي استمر لعدة سنوات في مجال نقحرة الحروف العربية باللغة اللاتينية لتمكين غير القارئين باللغة العربية من قراءة سليمة للقرآن الكريم.
والنقحرة هو مصطلح خاص في الترجمة يقوم على النقل الحرفي والنقل الصوتي للكلمات وهو مصطلح مركب من كلمتي (النقل والحرف) أي نقل صوتي للغة العربية إلى حروف أجنبية كالحروف اللاتينية على سبيل المثال. وقد ابتكر الباحثان الزوجان جمال وسمية أولمان تقنيات كتابية عند نقحرة الكلمة العربية بالحروف اللاتينية مثل الترميز، والتنبير، والنقطة، والتغليظ. مثل كتابة حرف (T) بصورة مغلظة للدلالة على حرف (ط)، في كلمة (طين) وكتابة حرف (t) بصفة غير مغلظة للدلالة على حرف (ت) في كلمة (تين) وكلتا الكلمتين تكتبان بشكل متشابه بالحرف اللاتيني ولذلك يصعب التفريق بينهما في النطق وفي تحديد المعنى. ويستخدم الزوجان البروفيسور جمال أولمان، والدكتورة سمية أولمان تقنية النقحرة للحفاظ على سلامة النص القرآني عند نقله أو ترجمته للغات الأجنبية، ويؤكدان أن النص القرآني يحوي عددا من الكلمات التي لا يمكن ترجمتها للغة الأجنبية مثل كلمات “الله”، “الإيمان” “الإسلام”، “الإسراء”…إلخ.
الزوجان أولمان بحكم اتقانهما اللغة الفرنسية وتحكمها الجيد في آدابها واطلاعهما الواسع على مختلف النماذج الغربية التي تعمدت تشويه معاني القرآن الكريم عند ترجمته إلى اللغة اللاتينية أو الفرنسية أو الإنجليزية بسبب خلفيات الصراع الحضاري، والأطماع الاستعمارية، وعداء الكنيسة للإسلام، وحقد بعض الرهبان على رسالة خاتم النبيين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، قدما نموذجا عن ترجمتهما للقرآن الكريم، وتم تقديم نموذج الكتاب إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لإبداء الرأي فيه والترخيص بطبعه وتوزيعه على القراء.
حب الطبيبين جمال وسمية أولمان للغة القرآن أدى بهما إلى أن يكونا من أكبر المدافعين عن اللغة العربية والمطالبين بإعادة الاعتبار لها خصوصا في مجال تدريس الطب ،وفي هذا الصدد سبق للدكتورة سمية أولمان أن اقترحت إنشاء خزان وثائقي كتيبي عصري يسمح للأجيال المقبلة الممارسة لمهنة الطب، أن يتماشى مع الأبحاث العصرية، ويقضي على الإقصاء الكلي للغة العربية في تعليم علوم الطب وممارسته.
وللعلم فإن الدكتورة سمية أولمان هي أم لأربعة أبناء، وهي حفيدة العلامة المصلح الشيخ عبد القادر المجاوي، وهي طبيبة وباحثة خريجة كلية الطب بالجزائر، حاصلة على شهادة في علم الاجتماع والتحليل النفسي، ولها إسهامات أدبية بارزة، حيث نالت جائزة الشعر باللغة الفرنسية سنة 2009 حول فلسطين، وجائزة أخرى في الرواية القصيرة سنة 2012، ولها أبحاث منشورة في التاريخ الوطني.
ولها حضور متميز في الصحافة الوطنية المكتوبة والمسموعة كتابة ومحاورة ، وعندما سئلت في جريدة (المساء) عن قدرتها على التوفيق بين مسؤوليتها كأم وزوجة وطبيبة وباحثة في المجال التاريخي وترجمة القرآن الكريم، أجابت: «يقول المثل إذا أردت استطعت، الإرادة تمنح القدرة على تطوير معارف الذات والغوص في عالم شاسع متعدد المجالات، فكوني طبيبة لم يمنعني من عشق التاريخ الذي هو سجل الزمن وذاكرة الشعوب فمن لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له، فلكل شيء تاريخ حتى الطب، ونحن العرب لنا تاريخ مجيد في العلوم والرئيس ابن سينا خير دليل في تاريخ العلوم الطبية. وطبعا ككلّ إنسان حساس بطبعه دخلت عالم الشعر من خلال القضية الفلسطينية التي اكتشفت مأساتها وأنا ابنة الثالثة عشر، وعرجت للبحث في تاريخ علماء الجزائر بدافع من جدي الرابع من أمي «عبد القادر المجاوي»، صاحب كتاب «إرشاد المتعلمين» الذي قمت بقراءة معمّقة فيه، واعتبره وثيقة لتقييم قرابة خمسين سنة من السياسة الفرنسية التجهيلية والتدميرية على الجزائريين، فهو صرخة فكرية ضد مخلفات الاستعمار، هدفها حث الجزائريين على الحفاظ على إسلامهم الأصيل والتفتح على العلوم الحديثة قصد النهوض من التخدير الذي وقع عليهم».