وسائل التواصل: بين المثقف الحقيقي والموهوم
أ. عبد القادر قلاتي/
مثقف لا يملك أي مؤهلات علمية أو معرفية، لم يكتب في حياته مقالا أو بحثا في مجال من مجالات الحياة، لم يناضل في حزب سياسيّ عريق يمنحه الكفاية المعرفية والصلابة في المواجهة، ولم تكن تربطه بالحياة الثقافية والسياسية أي رابطة من هذا الذي ذكرنا، وبين عشية وضحاها، تحوّل إلى مثقف عضوي يحمل همّ النّاس وينشغل بقضاياهم، يناقش أعوص المشكلات خطورة، وأصعب القضايا المرتبطة بحياة النّاس، وهو في كلّ ذلك يرى في نفسه الأهلية والكفاءة لخوض غمار المشكلات الاجتماعية الكبيرة، وسنده في ذلك الكمّ الهائل من المتابعين ممّن يستمع إليه ويشاركه بالتشجيع تارة، وبنقل مواقفه وأرائه الشاذة تارة أخرى، وشيئا فشيئا تحول هذا المثقف «الموهوم» إلى رمز يتفق أو يختلف النّاس عليه، ولو لا هذه الوسائل ما كان هذا في «العير أو النفير» كما يقال، وفي المقابل تنحسر حظوظ المثقف الحقيقي، الذي يملك رؤية وأدوات لمعالجة القضايا المستجدة فلا نرى له وجودا بين النّاس، لأنّه ببساطة لم يتخذ هذه الوسائل منطلقاً لطرح آرائه وأفكاره، بل جعل من المقالة والكتابة الجادة المنطلق الأوحد في نضاله الفكري والسياسيّ، وحتى إذا ولج هذه الوسائل فلا يجعل منها أي هذه الوسائل -الفضاء الذي يخاطب من خلاله النّاس، فتراه يكتب منشوراً أو يعلق على موضوع مطروح، فيستوى في نظر المتابع البسيط مع أي متابع آخر قد يعلق على نفس الموضوع، لذا غاب المثقف الحقيقي الذي كان من المفروض أن يتصدر المشهد الثقافي والسياسيّ، محللاً وقارئاً ومتابعاً لقضايانا الفكرية والسياسية وما يستجد فيها حتى لا يتسلل إلى هذا المشهد، من أسميناه بـ «المثقف الموهوم»، الذي شوّه الحياة الثقافية والسياسية، وحوَّلها إلى ميدان من الجدل العقيم، والمهاترات السياسوية الفارغة التي ما زادتنا إلاّ تخلفاً وركوداً.
والله المستعان