صدور الطبعة الثانية من مذكرات الأستاذ موساوي زروق مســيرة مقاوم من جمعيـــة العلماء المسلمــين الجزائريين
تقديم : أ .محمد الهادي الحسني/
بعدما بلغ الثمانين -وبلغناها- عزم الأستاذ الفاضل موساوي زروق أن ينشر مذكراته، وينقلها إلى من يأتي بعده من أجيال؛ لتستفيد بما فيها من نجاحات، سواء كانت فردية أو جماعية، ولتتفادى ما اكتنفها من أخطاء لا مناص للإنسان من أن يصيبها، مصداقا لقول من لا ينطق عن الهوى وهو:
كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون». إن هذا النوع من الكتابة – المذكرات- هو نوع من الشهادة على النفس وعلى الآخرين ممن خطت الأقدار في صحائفهم أن يتعايشوا وأن يشهد بعضهم على بعض.
ولقيمة هذه الشهادة ومكانتها وشرفها فقد أوكل الله -عز وجل هذه الوظيفة إلى الأمة الإسلامية، لتكون شاهدة على غيرها من الناس، فقد جاء في الكتاب «الشاهد» قوله سبحانه وتعالى: «وكذلك جعلناكم أمه وسطأ لتكونوا شهداء على الناس وتكون الرسول عليگم شهیدآ» سورة البقرة الآية 143.
الامرية في أن الأستاذ الفاضل موساوي زروق من أعرف الناس بهذه الشهادة وقيمتها وشروطها، فهو ممن نشأ في حضن خير جمعية أخرجت للناس: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و«صنعتهم» على عينيها في «المعهد – المصنع»، معهد خالد الذكر حمید الفعل، معهد الإمام عبد الحميد بن باديس، على أيدي «أشياخ نجب»، فتربى على المبادئ الإسلامية، وأشرب مثلها، وتعلم أن يصدع بالحق، وهو ممن اكتسبوا معرفة قانونية واسعة، وحركته التجارب القضائية الكثيرة، وهو أخيرا في المرحلة التي يبتعد فيها المرء من مهده، ويقترب بعد طول عمر- من لحده، بحيث يأتي ربه فردا، فيسأله.
وقد آثرني الأستاذ الكريم الذي سمعت عنه كثيرا والتقيته قليلا- على معارفه وصحبه، لأكتب كلمة-هي شرف لي- ليضعها في مقدمة مذكراته، فأنا أشكره على هذا الإيثار، الذي سأبقى ذاكرا له ما دمت حيا، وسأنقله إلى من يرثني، وأرجو أن أكون حقيقا بذلك الإيثار، وجديرا بتلك الثقة.
إن المذكرات ليست سواء من حيث القيمة، فهي تتفاوت بين بعضها من حيث الصدقية أولا وأخيرا، وقد لاحظت بعدما قرأت مذكرات الأستاذ موساوي أنها «قيمة مضافة» لفترة هامة من تاريخنا، بما تتضمنه من معلومات عن حوادث وأشخاص كان شاهدا عليها وعليهم، وإننا ندرك أن هذه الحوادث من فعل بشريأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ولم يكونوا ملائكة، ولذا نرجو ممن عرف جزءا من الحقيقة أن يستدرك ما قد يكون الأستاذ الفاضل سها عنه وأغفل، خدمة للحقيقة وتكميلا للمشهد ويكون المستفيد الأخير من ذلك هوتاريخنا، وبذلك يسد باب المتربصين، الذين يقال عنهم: «يعكرون الماء ثم يصطادون». .
عنون الأستاذ موساوي مذكراته بعنوان «مسيرة مقاوم من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولا شك في أنه يرد بذلك العنوان على الذين يبخسون الناس أشياءهم فينفون فضل جمعية العلماء في الإسهام في الحركة الوطنية، ولولا ذلك الإسهام الذي سيزداد مع الأيام
ظهورا وبروزا بمثل هذه المذكرات لما أمكن للثورة أن تكون بما كانت عليه في روحها ونتاجها.
وإذا كان بعض المؤرخين قد خانوا أمانتهم العلمية وبهتوا الجمعية فقالوا إنها لم تنضم إلى الثورة إلا بعد ما وصل الموس للعظم»، فإن التاريخ يشهد أن الجمعية كانت تؤمن بالجهاد المسلح، ابتداء من توحيد صف الجزائريين الذي نادى به الإمام ابن باديس قائلا: «کونوا جهة متحدة لا تكون المفاهمة إلا معها»، ومن مقول خليفته الإمام الإبراهيمي وهي: «إن الحقوق التي أخذت اغتصابا لا تسترجع إلا غلابا»، ولذلك عندما اندلع الجهاد المسلح في 5 ربيع الأول 1374ه الموافق ل 01 نوفمبر 1954، كانت الجمعية المباركة هي أول من اعترف بالثورة، وبارکها، ودعا إلى مساندتها عن طريق بيان الإمام الإبراهيمي والداعية الفضيل الورتلاني في الأيام الأولى للثورة، فكان ذلك البيان قد قام بدورين متكاملین :
دور الشعب الجزائري ليقف إلى جانب الثورة التي لم يكن مفجروها معروفين، ولم يتبنها قادة حزبهم، وقد شهد بذلك السيد محمد بوضياف في كتابه «التحضير لأول نوفمبر»..
دور خارجي، حيث كان الإمام الإبراهيمي -وجمعية العلماء-معروفا لدى جميع الحكومات العربية. فكان ذلك البيان بمثابة «تزكية» القيادة الثورة، وجواز مرورلهم؛ ولذلك لم يسجل التاريخ أن عضوا من الجمعية قد والى العدو أوركن إليه.
وأختلف مع الأستاذ موساوي زروق فيما ذهب إليه من أن جمعية العلماء لم يكن شعارها الاستقلال، وقد رد الإمام ابن باديس على «محتكري» كلمة الاستقلال قائلا: «إن البهيمة تحت إلى الاستقلال»، وهل هناك أصرح وأفصح من نشيد الإمام ابن باديس أيضا القائل :
اشهدي يا سما *** واكتبن یا وجود
أننا للحمی *** سنكون الجنود
لا شك في أنه ليس حسنا أن يحمد شخص أوتنظيم بما لم يفعل، وكذلك ليس حسنا أن يبخس شخص أوتنظيم أشياءه.
كما اختلف مع الأستاذ الفاضل عندما يعتبر الإمام الإبراهيمي مؤيدا للائكية، وإنما كان محرجا لفرنسا، وكاشفا لدعواها، وفاضحا السياستها، وإلا فإنه مع شمول الإسلام، كما يعرفه الأستاذ الكريم قبل أن أعرف يميني من شمالي؛ لأن اللائكية هي تحكيم غير شرع الله في شؤون المسلمين من غير اضطرار إليها وإكراه عليها.
لقد مكنني الأستاذ بهذه المذكرات من معرفة ما لم أكن أعرف، فأنا شاکرله، وداع له بالصحة والعافية، وبأن يرضيه الله -عز وجل- عما قدمت يداه، وأن يرضى عن ذلك، مصداقا لقوله تعالى: «رضي الله عنهم ورضوا عنه».