تطلع الشباب لنهضة الأمة ومدى إيمانهم بإمكانياتها
بقلم: أمال السائحي/
يعرف علماء الاجتماع النهضة بأنها هي: حركة فكرية عامة، حية منتشرة، تتقدم باستمرار في فضاء القرن، وتطرح الجديد دون قطيعة مع الماضي. فهي نشاط عقلي فكري في المقام الأول، يحدث في مجتمع من المجتمعات، ويقود إلى الانطلاق في مجالات العمل في شتى جوانب الحياة واكتشاف آفاقها، إنها تشمل مجالات العلم والدين والسياسية والاقتصاد والاجتماع والتعليم..
وهي تنقسم لديهم إلى أربعة أطوار أو مراحل هي:
1 – الصحوة: وهي حالة من «صحا من نومه» ولم يضيء النور، فيتخبط هنا وهناك، فهي مرحلة حماس متدفق، وإحساس بالهوية، لكنها تفتقد الرؤية والوعي، وكثيراً ما تتضارب فيها التحركات. ويكثر الخلاف (هي الإحساس بالذات وبالهوية).
2 – اليقظة: وهي مرحلة إضاءة النور، ومعرفة الوسط المحيط، فهي مرحلة وعي ورشد يلازمان الحماس، وهي مرحلة تنظيم الجهود العملية لتصب في اتجاه وهدف (هي فهم الواقع).
3 – النهضة: وهي نتاج مرحلة اليقظة، وثورة الأفكار، وتتجسد في تيار متدفق من العمل الراشد في كل مجالات الحياة العلمية والتطبيقية. ولا تتكامل حلقاتها إلا من خلال أداة الدولة (هي طريقة الفعل في الواقع) .
4 – الحضارة: وهي النتاج المادي الملموس في كل المجالات من عمارة وفن وفكر وتصنيع وغير ذلك. وهي تمثل النموذج المنشود (هي ثمرة الفعل) .
وبما أننا اليوم نرى الكثير من الحديث عن النهضة وأسبابها وكيفية وضع اللبنات الأولى لها، من طرف شريحة كبيرة من المختصين في الميدان، ومن الشباب المتطلع والمتعطش لهذه النهضة ولرؤية استراتيجية عملية لوضع اليد على مرحلة اليقظة كانت لي هذه الأسئلة البسيطة التي طرحتها على بعض الشباب على شبكات التواصل لأعرف رأيه في عملية النهضة التي ينتظرها الجميع وما هي الآليات التي يمكن أن يتخذها كمطية للوصول إلى الهدف المنشود ..
كان سؤالنا الأول مع الأستاذ خطاب العزاوي من العراق: نحن نطمح إلى إعداد جيل بمواصفات عالية حتى تبدأ بوادر نهضة أمتنا تظهر وترسم طريقها؟؟ فهل الأسر لدينا مؤهلة للقيام بهذا؟
كان جواب الأستاذ خطاب العزاوي: إن الشرائح التي يحتاجها المجتمع لبدء عملية النهضة ونجاح الفكرة التي يريدون بها تطوير المجتمع وحدوث نهضة فكرية وعملية واقتصادية، في جميع المجالات، فإن ذلك يحتاج إلى ثلاث شرائح: أولا شريحة البدء في السنوات التي سبقت ظهور كثير من المشاريع التي دعت لمشروع النهضة والإيجابية فيها أنها اعتمدت على تطوير الشباب في جميع المجالات خاصة المجالات الجديدة، وهذا يحتاج إلى شريحة جديدة لنقل تلك الأفكار للمجتمع ثانيا شريحة التغيير وهي أصحاب السلطة والنفوذ والأموال. وأهمية هذه الشريحة أنها تستطيع نشر وتبليغ تلك الأفكار للمجتمع، واتخاذ الإسلام نظاماً لهذه الأمة يقتضي الوعيَ بأحكامه وفهمهَا والحرصَ عليها كلَّ الحرص. فإنه لم يوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم سوى الضعف الشديد في فهم الإسلام، الذي طرأ على أذهان المسلمين في مواجهة الأفكار الغربية في القرن الماضي. فإذا ضعف فهمهم للإسلام، سهُل على الأفكار الدخيلة أن تتسرب إلى مجتمع الإسلام، تثير فيه البلبلة، وتؤدي به إلى ترك أحكام الدين، وكذلك فإنه يقتضي الوعي السياسي على شؤون الأمة، ورعايتها والحذر من كل موقف قد يشكل جسراً للكفار ينفذون عبره إلى مجتمع الإسلام.
ثم طرحنا سؤالنا على الأستاذة سارة أبو عبيد من فلسطين: حيث قالت: المدرسة منفردة لا تستطيع ذلك، لأن المنهاج لا يتوافق أبدا مع معطيات المجتمع عندنا، هو منهاج مكثف جدا، لا يراعي قدرة الإدراك لدى الطالب و فيه أمور كثيرة جانبية يمكن التخلي عنها و عدم تضييع الوقت معها، إضافة إلى أنه أصبح يركز أكثر شي على التعليم ويهمل التربية…
وأضافت قائلة: بالنسبة للأسرة حسب الوالدين لكن مع ذلك لن يكون الإصلاح أو إعداد جيل ناجح، مستطاعا ما لم تتكامل كل لَبِنات المجتمع ابتداء من الأسرة، بمعنى لا يكفي أن يكون الإصلاح فقط في الأسرة أو المدرسة و بقية القطاعات فاسدة.
أما الأستاذة: سارة قادر من الأردن فقد أضافت قائلة: برأيي لا …لا الأسرة مهيأة ولا المدرسة كذلك، الأسرة اليوم بحكم العولمة وتسلل الفكر الغربي إلى عقولنا غير قادرة على تحمل مسؤولية إنشاء جيل ناهض، وهذا ليس تعميما، فهناك من الأسر من أثبتت جدارتها في التربية والسيطرة على سلامة منهج أبنائها بالرغم من وجود العديد من المعوقات… وقيسي على ذلك المدرسة، بالرغم من وجود الضوابط والقوانين وبالرغم من وجود المربيات الفاضلات إلا أن بيئتها هي نتاج للبيئة الأسرية…والمشكلة في ذلك تعود إلى أننا لم نعد نقدّر هويتنا الدينية ونتمسك بها، متى ما عدنا إليها وتعلمنا من تاريخنا وفتّحنا عقولنا سنستطيع تربية جيل جيد…جيلنا لا يفتقر إلى الصعوبات التي تصقله، ولكنه قد يفتقر إلى مجموعة قيم فقدناها عندما فقدنا ديننا، فهذا الجيل جيل قوي، ليس ضعيفا، بمجرد تبنيه لمبادئ نهضوية يمكنه النهوض…
ان نهضة أمتنا لا تكون إلا بفهم الإسلام وفهمه يقتضي الوعيَ بأحكامه وفهمهَا والحرصَ عليها كلَّ الحرص. فإنه لم يوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم سوى الضعف الشديد في فهم الإسلام، والذي طرأ على أذهان المسلمين في مواجهة الأفكار الغربية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
نخلص في نهاية الأمر من هذا الاستقصاء الذي أجريناه إلى أن هناك إجماعا على أن طريق نهضة هذه الأمة يمر عبر الإسلام، و الأمر الثاني أن إعداد شباب مؤهل للنهوض بالأمة لا يمكن أن تنهض به الأسرة منفردة، أو المدرسة بمعزل عن الأسرة، وإنما يقتضي تضافر واشتراك جهود جميع مكونات المجتمع، وهذا معناه أن تتناغم الاستراتيجيات السياسية مع الثقافة والتربية والتعليم والأسرة والنادي والكتاب والمسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون لتصب جميع في مشروع واحد هو مشروع نهضة الأمة. فهل نفعل ذلك؟