فتاوى

صلاة من لم يحفظ سورة الفاتحة

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/

الســـــؤال
قال السائل: لي جار يهودي كبير السن دخل الإسلام، ولم يحفظ سورة الفاتحة، وصعب عليه الحفظ، حاولت معه فلم يستطع إلا صورة الإخلاص. فهو يصلي ولكن في كل ركعة يقرأ سورة الإخلاص، ويركع ويسجد، ثم يسلم. لكنه لا يقرأ القرآن. لأني قلت له يلزم قراءة الفاتحة. فهل صلاته صحيحة؟
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والصلام على رسول الله.
أولا: يقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (التغابن:16) والمعنى: أي ابذلوا أيها المؤمنون في طاعة الله جهدكم وطاقتكم، هذا في كل عمل، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون. قال المفسرون: هذا في المأمورات وفضائل الأعمال يأتي الإِنسان منها بقدر طاقته، وأما في المحظورات فلا بدَّ من اجتنابها بالكلية ويدل عليه ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال:[دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ] (البخاري. كتاب الاعتصام:7288) وقال تبارك وتعالى:﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (الطلاق:7)
ثانيا: هذا المسلم الذي لايستطيع قراءة القرآن، ومنه سورة الفاتحة، وسورة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ولكنه أي هذا الركن يسقط عن غير القادر عليه. حتى يجد من يعلمه ولو طالت المدة، فصلاة من لم يحفظ شيئا من القرآن صحيحة، إذا توضأ، وقام بالأعمال الأخرى. ولكن السائل يقول: إن المسؤول عنه يحفظ سورة الإخلاص، فيقرأ بها وتكفيه. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: عملا بالحديث: عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [إِذَا أَنْتَ قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ، فَكَبِّرِ اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ] وَقَالَ فِيهِ: [فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَاطْمَئِنَّ، وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى ثُمَّ تَشَهَّدْ، ثُمَّ إِذَا قُمْتَ فَمِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِكَ] ووجه الاستدلال بهذا الحديث. أن المصلي إذا لم يكن يحفظ سورة الفاتحة، فليقرأ غيرها ماتيسر من القرآن. وفي الحديث الثاني: [فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ»، وَقَالَ فِيهِ: «وَإِنِ انْتَقَصْتَ مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ] (أبو داود:861. وانظر الترمذي:302)
رابعا: من أقوال الفقهاء: قال ابن جزي في القوانين الفقهية: {فِي حكم أم الْقُرْآن، وَهِي وَاجِبَة خلافًا لأبي حنيفَة، وَتجب فِي كل رَكْعَة وفَاقا للشَّافِعِيّ، وَقيل فِي رَكْعَة وَاحِدَة، وَقيل فِي نصف الصَّلَاة فَأكْثر وَمن لم يحسنها إِن كَانَ أبكم لم يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ يتعلمها وَجب عَلَيْهِ تعلمهَا وَالصَّلَاة وَرَاء من يحسنها، فَإِن لم يجد فَقيل يذكر الله وَقيل يسكت، قال: وَلَا يجوز ترجمتها.} (ص:44)
وفي الحاوي الكبير:{فصل) قال عن المصلي: فإذا لم يحسن الفاتحة ولا شيئا من القرآن فعليه أن يسبح الله سبحانه ويحمده بدلا من القراءة. قال: وقال أبو حنيفة: قد سقط عنه فرض الذكر. قال: وهذا خطأ. والدلالة عليه رواية رفاعة بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله عز وجل ثم ليكبر، وإن كان معه شيء من القرآن فليقرأ به وإن لم يكن معه شيء من القرآن فليحمد الله سبحانه، وليكبره، وليركع حتى يطمئن راكعا] وذلك عن عبد الله بن أوفى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لا أستطيع أن أجد شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني من القراءة فقال: [ قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ] فقال: هذا لله فما لي فقال: قل اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، فانصرف الرجل وهو يشير إلى يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أما هذا فقد ملأ يديه خيرا] فإذا تقرر هذا فعليه أن يقول بدلا من القراءة ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.}(الحاوي: (2/235) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
وعلى السائل أن يُطمئن جاره بأن في الإسلام رحمة ويسر، وليحافظ على الصلاة في وقتها، ويخلص النية، ويتقي الله عز وجل، في باقي الفرائض بقدر ما يستطيع، ويتوكل على الله سبحانه. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
خامسا: اقول للسائل: يوجد بعض كبار السن من الرجال والنساء، ويلحنون كثيرا في قراءة الفاتحة، وغيرها مما يحفظون من القرآن، فعلى أولادهم وذويهم ومن يتطوع أن يعلمهم، ولكن برفق، ثم برفق، ولا ينبغي أن يقال لهم: صلاتكم غير صحيحة؟ نعم مع الناس العاديين وفي أصل أركان الصلاة وشروط صحتها، يجب العناية بحسن القراءة والفاتحة بالخصوص، على الوجه الصحيح، هذا أمر معلوم. إنما كلامي هنا عمن لا يحسن القراءة، أو أنه أمي لايحسن مخارج الحروف بسبب لهجته مثلا، فيؤخذ بالرفق. قال النبي صلى الله عليه وسلم، لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: [ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ] والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com