بعد جرائم الحرق والإحراق هل تفعل عقوبة الإعدام؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
وجهت في الفترة الأخيرة مجموعة من المحامين مراسلة رسمية إلى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لإعادة تفعيل عقوبة الإعدام وتنفيذها على مستحقيها من المجرمين، ودعا المحامون رئيس الجمهورية للتدخل بما يملك من صلاحيات دستورية لأجل مراجعة مصادقة الجزائر على القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2007 المتضمن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، والجدير بالذكر أن الجزائر أصبحت رسميا منذ 24 فيفري 2010 في صف الدول المناهضة لعقوبة الإعدام، رغم أنها عارضت سنة 1998 دعوة الأمم المتحدة لإلغاء عقوبة الإعدام. وللتذكير، فإن الجزائر كانت قد أوقفت عمليا تنفيذ عقوبة الإعدام منذ ديسمبر 1993. الدعوة إلى تفعيل عقوبة الإعدام أعيدت من جديد إلى واجهة الأحداث بعد الجريمة الشنعاء والمروعة التي ذهب ضحيتها الشهيد جمال بن اسماعيل وما سبقها وتبعها من حرائق إجرامية روعت المجتمع الجزائري بكل فئاته وشكلت خطرا حقيقيا على الأمن النفسي والاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنية للجزائريين.
قبل اندلاع الحرائق الأخيرة في شهر أوت 2021 التي دامت قرابة أسبوع، ومست قرابة 26ولاية خلفت حوالي 90شهيدا، وعشرات الجرحى من المحروقين حروقا بليغة، وإتلاف آلاف الهكتارات من الغابات والنباتات المثمرة، ونفوق عشرات الآلاف من الحيوانات، كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد أمر في مجلس الوزراء المنعقد في 25 جويليه الماضي بصوغ مشروع قانون يشدد عقوبة المسؤولين عن إحراق الغابات إلى 30 سنة سجنا مع رفع العقوبة إلى السجن مدى الحياة للمتورطين في إشعال حرائق تؤدي إلى وفاة أشخاص، غير أن انتشار صور جريمة اختطاف وتعذيب وحرق الشاب جمال بن اسماعيل والتمثيل بجثته بعد قتله في مدينة الاربعاء ناث إيراثن بولاية تيزي وزو، جعل المطالبة بتطبيق عقوبة الاعدام مطلبا شعبيا، لأن الإعدام لمرتكبي جريمة إزهاق روح الشهيد جمال بن اسماعيل هي العقوبة الوحيدة المناسبة لردع مرتكبي هذه الجرائم الإرهابية البشعة.
قبل عدة سنوات، أثار الموقف الرسمي الجزائري بالانضمام إلى الدول المناهضة لعقوبة الإعدام، جدلا ساخنا بين أنصار المرجعية الاسلامية الرافضين لإلغاء عقوبة الإعدام في الجزائر، وبين زعماء وأنصار التيار اللائكي من جمعيات حقوقية وأحزاب علمانية، المؤيدين لإلغائها. اعتمد الرافضون لإلغاء عقوبة الإعدام على قناعة دينية ونصوص شرعية في الإسلام، وكان من أبرزهم الراحل الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين السابق الذي اعتبر أن مسعى إلغاء عقوبة الإعدام من المنظومة القانونية الجزائرية «محاولة للقفز على إرادة الشعب الجزائري المسلم، وتجاوزا للدستور»، مذكرا بأن المادة الثانية من الدستور الجزائري تنص على أن «الإسلام دين الدولة» بمعنى أن الدولة ينبغي أن تحترم الدين الإسلامي وألاّ تتجاوز ما نصّ عليه صراحة في القرآن والسنة.
بينما أعتمد المؤيدون لإلغاء عقوبة الإعدام على مبدأ ترسيخ حقوق الإنسان، وتكييف القانون الجزائري مع نصوص المعاهدات الدولية، وحماية المحكوم عليهم من الوقوع ضحايا تصفيات سياسية أو تحت طائلة الأخطاء القضائية التي لا يمكن تداركها أو التراجع عنها، وكان أبرز المدافعين عن قرار إلغاء عقوبة الإعدام الأستاذ فاروق قسنطيني الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحقوق الانسان التابعة لرئاسة الجمهورية الذي قال: «إن أي خطأ قضائي في تطبيق عقوبة الإعدام لا يمكن تصحيحه أو التراجع عنه».
في سنة 2013 عاد الجدل مجددا حول تطبيق عقوبة حكم الإعدام المعلقة إلى صدارة الاهتمام الوطني بعد الفاجعة الاجتماعية والكارثة الاخلاقية ، المتمثلة في الارتفاع الجنوني لوتيرة اختطاف الأطفال وما تمخض عنها من مشاعر الصدمة والغضب والترويع التي هزت الرأي العام الوطني، وسواء كانت جرائم الاختطاف قد تمت بدوافع الابتزاز وطلب الفدية، أو بدافع الانتقام وتصفية الحسابات بين العائلات المتخاصمة، أو بقصد ممارسة الفاحشة وإشباع الغرائز المرضية والمنحرفة بالنسبة لصنف من المجرمين الملعونين، فإن أغلب حالات الاختطاف كانت تنتهي بجرائم إزهاق أرواح الأطفال الأبرياء المختطفين. ورغم مطالبة العديد من رجال القانون والمحامين بتفعيل عقوبة الإعدام ورفع التجميد عنها ،ودعوة العديد من العلماء والمشايخ و الفقهاء إلى تطبيق عقوبة القصاص التي من شأنها أن تكون أداة ردع للمجرمين، وانتشار حملات واسعة للمواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «الشعب يريد تطبيق الإعدام»، ورغم أن عقوبة الإعدام ليست محظورة بموجب القانون الدولي إذا كانت القوانين الجنائية لدولة ما تنصّ على فرضها كشكل من أشكال العقوبة للجرائم الأكثر خطورة حيث تجيز المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية استخدام عقوبة الإعدام في ظروف محدودة، إلا أن نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ظل متمسكا بقرار تعليق تطبيق عقوبة الإعدام وعدم الاستجابة لرعبة غالبية الشعب الجزائري من أجل إرضاء جهات ومنظمات ودول تعتبر أن نصوص الكتاب والسنة الصريحة في هذا الموضوع هي مجرد «عقبات دينية» في وجه تعزيز حقوق الإنسان، وكأن ترسيخ حقوق الإنسان يمر حتما عبر إلغاء الخصوصيات الثقافية والثوابت الدينية للشعوب، وخصوصا في الدول الإسلامية، الإسلام اعتبر أن القصاص في القتلى هو العلاج الناجع لأمراض المجتمع ولنفي القتل، الذي هو أخطر جريمة في المجتمع .يقول الله سبحانه وتعالى في الآية 179من سورة البقرة { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}، فالقتل أنفى للقتل، كما تقول الحكمة العربية. إلا أن إقامة الحدود التي هي أعلى درجات العقوبة، وعقوبة القصاص في القتلى التي هي أحد الحدود، أحيطت بضوابط شرعية مشددة، وحدّدت في حالات منصوص عليها بدقة كما جاء في الحديث النبوي الشريف: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير له أن يخطئ في العقوبة».
وإضافة إلى ذلك فتح الإسلام أوسع الأبواب أمام الصلح والعفو لقوله تبارك وتعالى في الآية 178 من سورة البقرة {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان}، وقول رسول الله عليه الصلاة السلام: (العمد قود، إلا أن يعفو ولي المقتول) بمعنى أنه من حق ولي المقتول أن يطالب بالقصاص في القتل العمد ،ومن حقه أيضا أن يتنازل عن القصاص مقابل أخذ الدية.
لكل ما سبق أصبح تفعيل عقوبة الإعدام، أو تنفيذ القصاص في المجرمين القتلة مطلبا شعبيا وواجبا شرعيا ومخرجا قانونيا لمعالجة انتشار الجريمة والاستهانة بحرمة النفس البشرية.