وراء الأحداث

هل آن أوان اليأس من الانتخابات ؟!/ عبد الحميد عبدوس

بعد تصويت نواب أحزاب الموالاة المشكلة للأغلبية في المجلس الشعبي الوطني، على إسقاط المادة المتعلقة بفرض ضريبة على الثروة من مشروع قانون المالية لسنة 2018، رغم النسبة الهزيلة المقترحة في الضريبة المتراوحة بين 1و3  بالمائة، بدأ يسود الانطباع أنه ليست هناك قوة في البلاد قادرة على كبح جماح المال السياسي وسيطرته على مظاهر الحياة السياسية، أو الحد من سطوته المضطردة على قنوات اتخاذ القرار.

كانت الحجة المقدمة  من طرف ممثل مسقطي الضريبة على الثروة أشبه بالضحك على ذقون المواطنين وهي: “صعوبة تحديد وإحصاء الثروات”، مؤكدا أن رفض اللجنة لمادة الضريبة على الثروة جاء بسبب الرغبة في “تفادي تهريب رؤوس الأموال المتداولة في السوق الرسمية إلى السوق الموازية” وأنه “من الصعب جدا تطبيق هذه الضريبة بسبب انخفاض مستوى التحكم في تكنولوجيا الرقمنة على مستوى مؤسسات الخدمات المالية”.

والغريب أن وزير المالية  ـممثل الحكومةـ   دافع عن إسقاط الضريبة على الثروة من قانون المالية 2018، رغم أن بند الضريبة على الثروة جاء باقتراح من الحكومة، ونفى في تصريحات صحفية أن يكون إسقاط الضريبة على الثروة جاء نتيجة ضغط رجال الأعمال، وشدد على رفض الاتهام الموجه  من  قبل بعض الأطراف السياسية والوسائل الإعلامية لمنتدى رؤساء المؤسسات بالتدخل لإلغاء المادة 12 من قانون المالية 2018 وهي المادة المتعلقة بالضريبة على الثروة. واكتفى بترحيل قضية الضريبة على الثروة  إلى قادم الأيام مع تقديم الوعد بإيلاء عناية أكثر في المستقبل للحد من التهرب الضريبي والتقليص منه  بتكليف الإدارة الجبائية باستعمال كل قواها وإمكانياتها للقيام  بالرقابة على أكمل وجه والحد من الممارسات السيّئة التي تضر بالاقتصاد الوطني.

ربما يكون الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون قد دفع ثمن التصدي لعقبة المال السياسي في طريق أخلقة الحياة السياسية، فلم يمض على تعيينه في منصب الوزير الأول سوى أقل من ثلاثة أشهر  حتى تمت إقالته بعد اصطدامه العلني مع علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، وإظهاره العزم على القيام بحملة ”الأيادي النظيفة” ووضع حد لتدخل أرباب المال والأعمال في تسيير الشؤون السياسية للبلاد.

وفي خريف العام الماضي، وبالضبط في19 سبتمبر 2016  أعلن وزير التجارة السابق المرحوم بختي بلعايب عن قرار الحكومة، في إطار مشروع قانون المالية لـ2017 برفع  التجميد عن قرار منع استيراد السيارات المستعملة مقابل شروط معينة معتبرا “أن دفتر شروط يعتبر خيارا أفضل من منع الاستيراد”..  وتفاعلت شريحة واسعة من المواطنين ذوي الدخل المتواضع والمتوسط إيجابيا مع إعلان وزير التجارة.

ولكن  لم يمض أسبوعان عن  إعلان المرحوم بختي بلعايب، حتى خرج وزير الصناعة والمناجم السابق، عبد السلام بوشوارب، المنتمي لفئة أرباب المال بتصريح مناقض لتصريح زميله في الحكومة حول استئناف استيراد السيارات اقل من 3 سنوات، مؤكدا أنه “لن يكون هناك ترخيص لاستيرادها”.

وتم بالفعل التخلي عن قرار رفع التجميد عن استيراد السيارات المستعلمة رغم أن سوق السيارات  ما فتئ يعرف التهابا متزايدا  حتى بلغت أسعار السيارات أرقاما فاحشة. وأصبح واضحا أن الكلمة العليا هي لأصحاب المال ولوبيات الاستيراد وأرباب الأعمال الذين يبيعون للمواطنين السيارات المركبة في الجزائر بسعر يفوق سعرها في بلدان تصنيعها !

لم يعد المواطنون يعلقون أية آمال، أو يمنحون أية أهمية تذكر للانتخابات التي تعتبر نظريا الوسيلة السياسية المفضلة لتمثيل الشعب، والدفاع عن مصالحه، ومعاقبة المقصرين والفاسدين، بل أصبحت الانتخابات موضوع تذمر وسخرية من طرف بسطاء الناس وغالبية الشباب الراغب في التغيير في ظل التداخل المتزايد بين عالم المال وعالم السياسة الذي ينذر بوقوع الجزائر تحت سلطة أشخاص غير منتخبين، وغير مفوضين بواسطة الإرادة الشعبية، ويضعون مصالحهم فوق مستوى المساءلة والحساب.

في مثل هذا الوضع لمع نجم فنان شاب يتفجر بالموهبة والذكاء، خصص إبداعه الفني للتعبير عن هموم غالبية الشعب،  حتى كاد الفنان الشاب المبدع “أنس تينا” أن يصبح الناطق الحقيقي باسم بسطاء الناس، حيث أن  نسبة المشاهدة للفديو الشهير الذي أنتجه بعنوان “راني زعفان” (إني غاضب) قد فاقت عدد المصوتين في الانتخابات التشريعية، ولم يحظ فديو “راني زعفان” بتفاعل وإعجاب الجزائريين من كل الفئات والأعمار والجهات فحسب، بل إنه لاقى نفس الإعجاب من طرف المشاهدين في المغرب العربي…، وأشادت به حتى وسائل إعلام عالمية، على عكس بعض وسائل الإعلام المأجورة عندنا التي حاولت التشويش على الرسالة الفنية في إبداعات الشاب “أنس تينا” وصرف الأنظار عن حقيقة مقاصدها، مما جعل  الفنان الشاب يضمن هذه العبارات القوية في عمله الفني الذي ما زال يصنع الفرجة والمتعة: “أحب بلادي ولا أحتاج دروسا في الوطنية، لست أيادي خارجية ولا داخلية، ولا أحد يحرضني، كلامي من القلب بلسان الشعب والزوالية، قسما برب النازلات والأراضي الطاهرات غير نموت عليك يا بلادي حبي وفؤادي فاشهد فاشهد أني زعفان”.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com