خِطاب مُعرِب إلى أشقائنا علماء المغرب

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
يا علماء البلد، يا مثال الإصلاح والاهتداء، ويا عنوان الفلاح والاقتداء، أنتم يا كنوز الأمة، ويا حاملي رسالة الوعي بالانتماء، وطهر الذمة، إنكم -يا سادتنا العلماء- خير من يدرك، هول الكارثة الفظيعة، وما جرته على شعبينا من زرع للفتن، وتجسيد للقطيعة.
فما كنا، نحسب- شهد الله – أننا نحيى إلى زمن الانتكاسة، الذي تقطع فيه العلاقات، وتغلق الحدود والاتصالات، ويتحكم في قوانين الوجود والتنقلات.
لقد دبت بين صفوفنا العقارب، فتغلغل الأباعد الأجانب، وأبعد الأخوة الأقارب، وتم التحالف مع العدو المحارب، وأدير الظهر للمسدد في الرأي والمقارب.
فأنتم، يا علماء المغرب من تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، كما أمركم الله بذلك، وهل هناك منكر أنكى وأفظع من وضع اليد المتوضئة، في الأيدي الملطخة بدماء الفلسطينيين والتنكيل بالمقدسيين، وهدم الديار على ساكنيها الغزاويين؟
ألسنا نحن الذين نتعبد بقول الله تعالى:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [ سورة الممتحنة، الآيتان: 08-09].
كما نتلو قوله تعالى أيضا ﴿َلَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ ..﴾ [ سورة المائدة، الآية: 82].
نحسبكم يا سادتنا العلماء، أولى الناس بالنهي عن المنكر، وهل هناك منكر أشد من التطبيع مع الغاصبين لأرضنا، والمعتدين على قدسنا؟ وإن من أولى واجبات العلماء، في النهي عن المنكر، تقديم النصح للحكام، وتصحيح المفاهيم لدى العوام. فهل أنتم فاعلون؟
ولم يتوقف الأمر عند حد التطبيع، بل تجاوزه إلى التشنيع، والتهديد بالعدوان على البلد الشقيق الوديع، وعلى مرأى ومسمع من المسؤول الحكومي الرفيع.
كنا نظن، وبعض الظن خطأ، أن المغرب البلد العربي الجار المسلم، هو سند لأخيه البلد الجزائري، يحميه من الصهيوني المعتدي المجرم، ولكن ما راعنا إلا اختلال الوزن، وتضاعف الويل، فطفح الكيل، وفاض السيل، وجاء قطع العلاقات، وآخر الدواء الكي.
أيرضيكم يا علماءنا في المغرب، أن يجرؤ دبلوماسي مغربي مشهور، على الدعوة إلى خرق كل الأعراف، ومواثيق الدستور، فيحرض على اقتطاع جزء عزيز من الوطن الجزائري المعمور؟
«فالمؤمنون -كما ينص الحديث النبوي الشريف، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم».
فأين أنتم من كل هذا؟ أليس من الأمر بالمعروف ردع الظالم عن ظلمه، وإرجاع الحق إلى نصابه؟ ومرحبا باليد الممدودة المصافحة، والمصالحة، ولكن قبل مد اليد، يجب صفع من اعتدى على الجزائر، في أمنها، وأمانها، ووحدة ترابها؛ وإلا ستكون سابقة خطيرة، في تشجيع العدوان، وهدم البنيان، وتغيير صورة الأوطان.
نحن -علم الله- ما كنا نأمل أن يصل الأمر بين بلدين شقيقين، إلى حد القطيعة، واللجوء إلى اتخاذ الإجراءات السريعة، والزج بالمنطقة كلها إلى مصائر شنيعة، ولكن ما الحيلة، إذا كان الأمر يتعلق بالمساس بالسيادة؟
إذا لم تكن إلا الأسنة مركب فلا يسع المضطر، إلا ركوبها
لقد أيقظتنا هذه الأحداث المشؤومة كلها، على حقيقة مرة، وهي أن الصهاينة متى حلوا ببلد، إلا زرعوا فيه الخراب والسراب، وإنهم لا يرقبون في مسلم إلا ولا ذمة، وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم.
إننا بدافع الدم العربي الذي يسري في عروقنا جميعا، والفكر الإسلامي الذي يحكم قلوبنا جميعا، والتضامن الإسلامي الذي هو هاجسنا جميعا، نهيب بالأشقاء المغاربة حكاما ومحكومين، وفي مقدمتهم العلماء، أن لا ينساقوا وراء المكائد الصهيونية، فهي كسراب كذاب، ودمن خلاب، يحسبها الغير كل شيء، وهي لا شيء.
فمن خانكم في غزة والقدس، وفي جنين ونابلس لا ينبغي أن تثقوا فيه في إفريقيا والأطلس، إنهم لا إيمان، ولا أمانة، ولا أمان لهم، فاحذروهم ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فيا أشقاءنا في المغرب!
إن المغرب العربي الإسلامي الإفريقي هو الثابت وإن الصهيوني الذي لا وطن له، ولا عهد، ولا ثقة هو المتغير، فكونوا مع الثوابت، واحذروا المتغيرات.
يجب أن تسود لغة الأخوة، والحوار، وحسن الجوار، على لغة العدوانية، والانفصالية واللجوء إلى الحرب البوار.
إن كل القضايا العالقة، والتي تمثل عائقا ضد البناء، يمكن أن تجد لها الحل السليم والقويم، متى حسنت النوايا، وغابت الجوانب المظلمة من الزوايا، والرزايا، وسحب اليد من أيدي الخيانة والغدر، وأصحاب المكائد والمكر، مهما تعددت أسماؤهم، ومهما تنوعت مواقعهم وأفكارهم، ولنقتد في هذا بقول الشاعر:
إذا البيت الرفيع تعاورته بناة السوء، أوشك أن يضيعا.
فسوف تبقى الجزائر، هي الحصن الحصين للمغرب، والداعم المتين للمغرب العربي، فبدون الجزائر لن يتم بناء المغرب العربي.
لذلك، فإن كل الحلول، يجب أن تمر عن طريق بناء المغرب العربي، فهو وحده الواقي من الزلازل والمنقذ من القلاقل، والبستان الخصيب الذي تترعرع فيه شتى البلابل.
اذكروا يا علماءنا، وذكروا الجميع حكاما ومحكومين، بأننا ننام على الكنوز، ونتوشج بالرموز، ما دمنا موحدي الكلمة والصف، ومحددي المقصد والهدف.
هي إذن رسالة -إلى كل المثقفين والمفكرين، وإلى كل العلماء، والشرفاء، أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة، فالسفينة قد تعاورتها أيد أثيمة، والأوطان قد طوقتها عقول لئيمة، فلئن لم يهيئ الله، لأمتنا، ولمغربنا، مواطنين ومواطنات في مستوى صحابة بدر، ومجاهدي القادسية ونوفمبر حماة الثغر، فسيحل بنا القهر والكسر، وعندئذ سيعض الجميع على اليدين من الندم، ولاة ساعة مندم.