أحمق من يرمي الرصاص على قدميه
أ. لخضر لقدي/
الحوادث الأخيرة التي جرت في بلادي هزت كياني وزلزلت أركاني، وما كان منها من أقدار الله فلا عتب ولا صخب ولكنه الرضا والتسليم أولا ثم مدافعة الأقدار بالأقدار بالنهوض والعمل ثانيا.
أما ما جنته أيدينا واقترفته جوارحنا فهو الذي عليه نلام، وهو الذي يحتاج منا إلى مراجعة ومساءلة.
وأنا متابع باهتمام ما يجري في بلدي، أتابع الأحداث التي تجري والأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام وما يكتب على صفحات شبكات التواصل.
والذي استوقفني ولم أجد له تفسيرا ولا تبريرا تلك الأحداث الأليمة التي خرجت عن طور الإنسانية إلى همجية مقيتة في وقت كنا أشد ما نكون فيه إلى تلاحم وتآزر وتكاتف وتعاون.
ولنا أن نتساءل ما الذي أوصلنا إلى هذا الحال؟، وما أسباب هذا الإخفاق؟:
إن هذا لأمر يحتاج إلى تحليل عميق وتشخيص صحيح للأسباب التي أفرزت هذه النتائج.
وإحقاق الحق، ونصرة المظلوم، والدفاع عن قضايا الأمة، والمحافظة على وحدتها وتماسك كيانها لهي أولوية الأولويات.
فلا شيء أخطر على الوطن من عداوة توظف الأخ ضد أخيه، وبغضاء تدفع الأخ للانتقام من أخيه، وحقد يكنّه مواطن ضد أخيه الإنسان مهما كانت الذرائع.
ففي الوقت الذي هب فيه الشعب لنجدة بعضه بعضا، وبدا جليا تلاحمه وتماسكه ووحدته، تأتي تلك الأحداث التي خطط صانعوها لإشعال نار الفتنة بعد أن أتت النار المستعرة على الأخضر واليابس من مناطق جزائرنا الحبيبة، فتخبط أقوام، وارتكست أفهام، وطاشت عقول عن الصواب، ولكن الله سَلَّم، فتدراكنا لطفه وكان كما قال: «كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».
إن الواجب يحتم علينا إعادة النظر في كثير من أمور حياتنا، وعدم التغافل عن الأشياء التي تبدو لنا صغيرة لأن مُعظم النارِ من مُستَصْغرِ الشَرِرِ.
جناية ممارسات الأغبياء في قتل الرموز وتشويه المقدس:
ولست أعني الاختلاف في الرأي، وتقدير المواقف فلا يوجد اثنان متطابقان، ولا يوجد اثنان متفقان على كل شيء، وكل منا نسيج وحده.
ولكن ألا يوجد بيننا مشترك نتقاسمه وسماء تظلنا وأرض تقلنا؟، لماذا يغيب عن الأذهان أن أغلب الجزائريين مسلمون وسنة؟، وهب أنك لا تؤمن بما يؤمن به أكثر الجزائريين وذلك حقك، أليس من الأدب احترام الآخر وعدم الإساءة إلى مقدساته ورموزه ليسلم حالنا ويستمر.
إنّ مما ساءنا وآلمنا لفترات طويلة ما كان يتفوه به أشباه المجانين أو حمالو الحطب كقوال بعضهم: لسنا عربا… عودوا إلى جزيرة العرب… يجب أن يختفي الإسلام من مواثيقنا.
أما درى هؤلاء أن هذه العبارات تخزن في أذهان الناشئة ،وتتحول مع الزمن إلى قنابل موقوته تنفجر في وجه أصحابها.
إننا بالتهجم على مرجعياتنا الدينية والوطنية والثورية نجني على أنفسنا وشعوبنا وعلى حاضرنا ومستقبلنا، وكما قيل: على نفسها وأهلها جنَتْ براقش.
عاقبة السكوت المخجل:
لقد سكت خَيِّرو المنطقة فملأ التطرف المكان، وسكت المثقفون، فملك السفهاء زمام القيادة والمبادرة، وسكت أولو الأمر.
فتعدى السفهاء على سلطة الدولة ورموزها، وسكت علماء الإسلام فنشأ جيل يتفاخر بترك دينه ويكره مقدسات الأمة، وسكتت النخبة عن الظلم وغياب العدل فاستأثر قليل بالكثير من خيرات الوطن.
ونسي الجميع أن الشعوب تؤاخذ بالظلم وتعاقب على جريمة السكوت عليه وجريمة الرضا به.
استمرار مسلسل إضاعة الفرص:
لقد حبا الله هذا الوطن بكثير من الفرص بعضها متعلق بتاريخه المشرق الذي اشترك الجميع في صنعه، وبعضها متعلق بالمال والثروة، وبعضها متعلق بالمواطن المحب لوطنه الحريص على الحفاظ عليه، وأكبر ميزة فيه تآزره وتعاونه عند المصاعب والمتاعب والنكبات، وعبارته المشهورة: «يطيح عليها بشلالقو».
فهل نستمر في المسلسل كثير الحلقات الذي عنوانه: فن إضاعة الفرص؟
هل ترى نخبتنا الحاكمة تستمر في إهدار الفرص التي من طبيعتها أنها سريعة المجيء بطيئة العود، وخوفي أن تضيع الفرصة مرة أخرى ونعود للنواح والتحسر والتنادي.
والشاعر يقول:
«إذا هَـبَّتْ رياحُك فاغتنمْها *** فإنّ لكل خافقـةٍ سكونُ
ولا تزهَدْ عن الإحسان فيهــا *** فما تدري السكونُ متى يكونُ
وإن دَرَّتْ نيـــــــاقك فاحتلبهـــــــــــــا *** فمـــا تدري الفصيل لمن يكون.»
والأحمق وحده هو من يرمي الرصاص على قدميه، ويساهم في بيته ووطنه، فلا تقوم له قائمة:
«لكل داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ…إلاّ الحماقَةَ أَعيتْ من يُداويها».