بناء الدولة وصناعة الأزمات (2)
أ. عبد القادر قلاتي/
من الضروري اليوم العمل الجاد على تفكيك خطاب الاستنجاد بالأزمات للمحافظة على كيان الدولة، الذي ظلّ يتحكّم في مسارها السياسيّ منذ نهاية الاستعمار، ولعلّ الأحداث المتسارعة التي عرفناها في السنوات الأخيرة أثبتت مأزومية هذا الخطاب، واستحالة قدرته على الاستمرار، واستنفاد مخزون طاقته على تحمل الصدمات المتتالية التي تتركها هذه الأحداث على هيكل الدولة والمجتمع والإنسان، فصناعة الأزمات ومن ثمّ إدارتها لم تعد مهمة الدول والأنظمة السياسية بقدر ما هي مهمة الجماعات الضاغطة، التي لا تتحمل تبعات هذا الخيار، ولا تُقدِم عليه إلاّ بوجود مصالح قريبة المنال، تسعى إليها من خلال اللجوء إلى صناعة الأزمات وإدارتها لتحقيق مآربها، وهذه الجماعات الضاغطة ليس لها وجود قانوني، وإنّما تنشأ على هامش الدولة مستغلة الثغرات القانونية، وضعف الدولة المركزية في سدّ هذه الثغرات، إما غفلة منها، أو طمعاً من بعض مسؤوليها ممن لهم ارتباطات بهذه الجماعات الضاغطة، وهكذا تتورط بعض الأنظمة في قضايا خارج إطار القانون.
إنّ عملية تفكيك هذا الخطاب ضرورة تفرضها جملة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بلداننا في العالم العربي والإسلامي، والتي أصبحت تشكل -أي هذه التحولات – تحديات كبيرة لمسار الدولة غير الشفاف، حيث تحسم أكبر القضايا من قبل المجموعة الحاكمة بعيدًا عن المجتمع وحتى عن المؤسسات القانونية في الدولة، وعند الأزمات يتحمل المجتمع ما ينجر عن هذه المواقف من أخطاء جسيمة، تحسم في جلسة بين الأصدقاء (سلطة الجماعة) الذين يصادقون ويفصلون في قرارات خطيرة على مصير الدولة، وما شرحناه هنا يفسر فحوى ما قصدناه بخطاب السلطة/ الجماعة الذي أعاق مسيرة الدولة، وما يزال يمارس سلطة التأثير.