فتاوى

هذا الأثر [مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ،] حديث شريف.

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/

الســـــؤال
قالت السائلة: (أ.ح)قرأت في كتاب فقهي هذا الأثر:[مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ] قالت: ورواه المؤلف على أنه حديث، أي من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر المرجع. وسؤالي: هل هذا القول حديث؟ وفي أي مرجع أجده؟ وجازاكم الله خيرا.
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: قد يكتب في كتاب أو مجلة أو محاضرة حديثا ولا يذكر المرجع ولا المصدر، وربما يذكر المصدر، ولكن بغير تفصيل، بدون رقم، ولا صفحة، ولا الباب، ولا طبعة الكتاب. وقد وقع مني هذا في بعض كتبي، ولذلك بمناسبة هذه الفتوى، وبناء على ما ذكرته السائلة، من أنها قرأت القول المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب الكتاب لم يذكر المرجع ولا رقم الحديث. فأقول وبالله التوفيق: إنه يجب على الكاتب والمؤلف والناشر والمحاضر والواعظ والمدرس والخطيب، أن يذكر كل المعلومات الضرورية بالنص الشرعي، أو قول العلماء، فقط بقدر ما يفيد السامع، وإذا أحال إلى كتاب فليذكر كل المعلومات الخاصة بتعريف الكتاب، وإذا قال: قال المفسرون، فليذكر بالضبط من هم المفسرون. وأقوالهم بين حاضنتين. وإذا قال: قال العلماء: فليذكر من هم العلماء بالضبط، والمرجع من أين أتى بقول العالم فلان؟ وإذا قال: قال العالم فلان. فليذكر تاريخ وفاته، واسمه الكامل، مثلا كتعريف. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: نص الحديث النبوي. روى أبو داود قال:حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ أَبَا سَوِيَّةَ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ حُجَيْرَةَ، يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ] (أبوداود. أبواب قراءة القرآن. باب تحزيب القرآن. رقم:1398.) فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
وفي مسند الدارمي. عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: {مَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (رقم:3487) وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: {مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ بِخَمْسِينَ آيَةً، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (رقم:3489) ولما رُوِيَ عن أبي أُمَامَةَ، أنه قال: [مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ] (الدارمي:3497) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: وأماالقول الذي ذكرته السائلة، وهو:[مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ] بهذا المتن. لم يثبت أنه حديث، والسبب عدم صحة السند. ورواه الدارمي. تحت رقم. 3491) وإنما هو من قول أبي أمامة.(الدارمي:3497) ولكن المعنى صحيح للأثرين الذين رُوِيَا عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولما روي عن أبي أمامة. وكذلك لما رواه أبوداود، في رقم (1398). والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
وقال الدارمي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ، كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ] (الدارمي.(3493) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: ومعنى {لم يكتب من الغافلين} أي لا يختم الله على قلبه، ويفتح الله له باب التوبة، فيوفقه للتوبة، والعمل الصالح، وإذا استمر كذلك مع القرآن والمحافظة على الصلاة فاز بحسن الخاتمة، ومن هجر القرآن والصلاة عمدا كتب من الغافلين. والغافل هو من يَغْفُلُ عن الواجبات المفروضة، يتركها ويسهو عنها، إهمالا وتكاسلا متعمدا. قال الله تعالى:﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ وفي الجامع لأحكام القرآن. للقرطبي:{يَعْنِي مَنْ خَتَمْنَا عَلَى قَلْبِهِ عَنِ التَّوْحِيدِ. (وَاتَّبَعَ هَواهُ) يَعْنِي الشِّرْكَ. (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) قِيلَ: هُوَ مِنَ التَّفْرِيطِ الَّذِي هُوَ التَّقْصِيرُ وَتَقْدِيمُ الْعَجْزِ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ. وَقِيلَ: مِنَ الْإِفْرَاطِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ} (القرطبي:10/392)
قال الله تعالى عن صفات الغافلين:﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾ (الأعراف:179)
ومعنى{كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ} القانتون هم: المطيعون المداومون على العبادة، والقانتون عكس الغافلين. ومن معاني القنوت: الطاعة، والدعاء، والخشوع، والخضوع،. قال الله تعالى:﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ﴾ (سورة التحريم:12) وكانت من القانتين أي: من المطيعين.
ومعنى [كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ] ورد في كتاب (عون المعبود وحاشية ابن القيم) {(كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ) بِكَسْرِ الطَّاءِ مِنَ الْمَالِكِينَ مَالًا كَثِيرًا وَالْمُرَادُ كَثْرَةُ الْأَجْرِ وَقِيلَ أَيْ مِمَّنْ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ أَيْ أَجْرًا عَظِيمًا قَالَهُ السِّنْدِيُّ} (عون المعبود وحاشية ابن القيم. 4/192) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com