شعاع

جمعيـة العلمــاء… وواجبـــات الريـــادة

يكتبه: حسن خليفة/

يلاحظ المتابع لمجريات الأحداث في وطننا، خاصة في الأشهر الأخيرة (منذ طرأ هذا «الوباء» على حياتنا ـ وفيه من الحِكًم ما فيه)… يلاحظ بروز اسم جمعية العلماء على نحو واضح، في الكثير من المبادرات والفعاليات والأعمال والجهود التي بُذلت لمواجهة هذا الوباء، على المستويات المادية: بجمع المساعدات وتوصيلها وتوزيعها، ثم بجمع المعدات والمستلزمات الصحية المختلفة وتوزيعها وهذا في الأشهر الأولى للجائحة… وفي الفترة الأخيرة بتوزيع أجهزة وحقائب وأقنعة التنفس إلى جانب المسلتزمات الأخرى المطلوبة دائما.
لا ينبغي أن تخطيء عين المتابع أن هذه الجهود الطيبة الصادقة أتت أكلها بإذن ربّها، بتحريك السواكن في المجتمع الجزائري برمّته، وقد كان لتراكم «الخير» وتتابعه دور في أن يكون المجتمع متحفزا يقظا مندفعا في الخير إلى الحدّ الأقصى الذي رأيناه وتابعناه جميعا في مختلف جهات الوطن، وبالأخص منه ما تعلّق بالنجدة الكبيرة والهبّة العظيمة، من مختلف فئات وشرائح المجتمع… دفعا للضرر عن الأسر والعوائل الذين أصيبوا في الحرائق التي مسّت أكثر من 18 ولاية في شرق الوطن ووسطه.
ما أريد وأرغب في لفت النظر إليه، بشدة، ويستوجب ـ في واقع الأمر الاهتمام ـ بمزيد الاستثمار فيه هو:
1ـ قيادة الجمعية ـوإن بطريقة غير مباشرة ـ لهذا العمل الخيري، والذي تراكمت خبراته على مدار الأشهر الـ17 الماضية، وهـو -بعد فضل الله – ما عبّد إلى حد بعيد الطريق لهذا السلوك الخيري الوطني الرائع .ولا أتصوّر أن هذا محل اختلاف ،مع الإقرار أن أفاضل كثرا في جمعيات وهيئات كان لهم نصيب رائع في العمل الخيري الوطني.لكن اندفاعة أعضاء الجمعية منذ الأسابيع الأولى لانتشار الوباء كان له ـمن الله تعالى ـ دور في تحديد الوجهة والدفع نحو هبّة تضامنية وطنية كبرى.
2ـ اندغام واندماج الجمعية من خلال شُعبها وأعضائها في المجتمع المدني المحلّي الوازن، بالاشتراك مع أفراد وهيئات وجمعيات محلية في أعمال بِرّ وخير كثيرة، وبالأخص منها المشاركة في شراء مولّدات أكسجين للمستشفيات، في أنحاء مختلفة من الوطن، ولنذكّر هنا بشعب: قالمة، باتنة، تيسمسيلت، وهران، الشلف،أم البواقي…ولا نريد هنا التركيز على الجمعية بقدر ما نريد تسجيل حضور الجمعية الإيجابي والفعّال بالتشاور والتحاور والتحسيس والدعوة إلى الخير.
3- ونفس الأمر نجده في قوافل الخير الإغاثية (المساعدات بمختلف أنواع المواد الغذائية والطبية والأدوية ) وذلك لصالح العديد من الجهات المتضررة (تيزوزو ـالطارف ـ بجاية ـ سوق أهراس ـ سكيكدة الخ)، والتي كان للجمعية حضور واسع فيها، بالاشتراك مع إخوتنا في مكوّنات وجمعيات المجتمع المدني.وأتصوّر أن هذا هو «الأصوب»فالجمعية لم ولا ولن تحتـكر عمل الخير ولا العمل الدعوي والإصلاحي والتغييري وإنّما تتشارك مع كلّ الأطراف الأخرى في ذلك بالقدر الذي يسمح بتحقيق الأهداف الدينية والأخلاقية والخيرية والوطنية.
ولعله ظرف مناسب هنا أن نعيد التذكير بأهمية تنظيم «لقاء علمي إيماني «في موضوع» العمل الخيري في الجزائر… نحو أفق تعاوني أكبر»يجمع كل الفاعلين في الفضاء الوطني من المشتغلين بالعمل الإنساني الخيري، يؤطره أساتذة وخبراء، ويخرج ببرنامج عمل (موحّد) ودقيق يخطط للعمل الخيري الوطني وينزّله في الميدان ببرامج علمية وعملية دقيقة، وتوقّعات، وتصنيفات (الأخطار)، وطرائق التوزيع، وطرق التنسيق وآليات التعاون.. بما يجعل هذا الميدان الاستراتيجي الحيوي ميدانا تتضافر فيه الجهود، وتُقتصد فيه الطاقات والأتعاب، ويتقاسم الجميع الأجر والمثوبة بإذن الله.
4- إن العمل الخيري ليس مجرد تحشيد طاقات وأموال وسلع ومواد استهلاكية وإنما هو أيضا «علم» و «رؤية» و «دعوة» وفنّ إيصال وإقناع وتواصل …ولعلّ هذا ما ينبغي التركيز عليه في المستقبل القريب.فقد كشفت لنا هذا الجائحة وما رافقها من كوارث وخطوب ومشكلات عن أهمية العمل «مع الإنسان» في الجوانب المعنوية والفكرية والدينية والثقافية،وأتصوّر أن هذا هو «لبّ» عمل الجمعية… أعني إعادة صياغة الإنسان وزرع القيّم القويمة في نفسه، ودعوته إلى إعادة النظر في حاله (الإنسان) بحسب بُعده أو قربه من دين الله وصراطه المستقيم، وهذا عمل دعوي جامع مانع، يهذّب، ويوجّه، ويرشد، وينصح، ويعمّق الإيمان ويرسخ شروطه في نفوس الناس… ومن أحرى بهذا العمل من الجمعية واخواتها وشقيقاتها في الميدان.
5- وإنما ذلك عمل ليس يسيرا ولا بسيطا، بل هو عمل كبير وشاق يحتاج إلى صنف عال من الرجال والنساء، وإلى جملة شروط، وهو ما نرجو أن نرتقي في الجمعية إلى مستواه، ومن تلك الشروط:
العمل المستمر المنتظم ـوضوح الرؤية ـ تحديد الأهداف بدقة ـ الجدية الكاملة في العمل ـ التفكير العملي الجاد ـ المبادرة الخلاّقة ـالتحفيز المستمر ـ الانفتاح على الكفاءات واستيعاب الطاقات ـ … طبعا مع وازع إيماني وسيع وقويّ وصلة وثيقة بالله، واحتساب ونية وسعي ودعاء لإخلاص الأعمال لله.
بذلك وبغيره تحقق الجمعية أحد أهم الأهداف وهي أن تكون جمعية جامعة وخيمة ظليلة وارفة للجميع، تتشارك معهم همّ العمل لله تبارك وتعالى دعوة ونصحا وتوجيها وتعزيزا للأخوة والمحبة، وتحقيقا للمصالح الدنيوية للناس وتبشيرا وتذكيرا لهم بالمعاد الأخروي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com